شاهدت حلقة جريئة على شاشة البي بي سي فتحت ملف علاقات الخليج وواشنطن علي مصراعيه، وتكتسب هذه الحلقة أهميتها من خبرة الإذاعة البريطانية التي تحتفل الآن بثلاثة أرباع قرن من الإعلام المستمر، سبعون عاما، وتأتي الحلقة بين يدي قمة كامب ديفيد التي تجمع الإدارة الأمريكية بقادة خليجيين، ليس من بينهم رجل المرحلة العربية الإسلامية، الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي اعتذر عن الحضور لمتابعته عن كثب مجريات عاصفة الحسم، الحرب التي تديرها الرياض بمعاونة تسعة دول عربية أخرى (التحالف العشري) و.. على أن أهم ما طرح في هذه الحلقة يتمحور حول الإشارة مباشرة إلى حسابات المصالح التاريخية المشتركة بين واشنطن والخليج النفطي، التي نهضت قبل نصف قرن من الزمان على مبدأ (النفط مقابل الأمن)، أن تلتزم الدول الخليجية يتدفق النفط مقابل أن تضمن واشنطن أمن المنطقة، وفي هذا السياق تلتزم واشنطن بعمليات التسليح المستمرة، على ألا يكون ذلك على حساب دولة إسرائيل، بمعنى حفظ التفوق العسكري في المنطقة دوما لصالح إسرائيل، ولك أن تعرف عزيزي المشاهد، القارئ، في هذا المضمار أن ليس بإمكان واشنطن إبرام اتفاق استراتيجي مع دول الخليج، فهذا الحق الاستراتيجي تمتلك حق امتيازه دولة اسرائيل فقط لا غير، على أن تكون الاتفاقات والتسليح دون درجة استراتيجية دولة الكيان الصهيوني !! غير أن هناك شيئاً هو الأخطر في مسار هذه العلاقات الأمريكية الخليجية لم تتعرض له الحلقة، وهو أننا يمكن أن نؤرخ إلى عهد بداية تزعزع الثقة الخليجية بواشنطن، بتاريخ إبرام اتفاق تفاهمات بين إيران والغرب حول السلاح النووي، مما جعل واشنطن تتراجع عن ضرب نظام بشار الأسد ومن ثم تتماهى مع التمدد الإيراني في المنطقة، وربما تذكرون غضبة الرياض المضرية التي جعلتها ترفض مقعد مجلس الأمن و.. و.. * وربما كان هذا المدخل المنطقى لصناعة منتج (عاصفة الحزم) في المنطقة العربية، محاولة الرياض إيجاد آليات بديلة لوقف إيران في حدودها، مع نسخة من الرسالة إلى واشنطن التي لم يسعها إلا أن تتجاوب مع العملية، ومن ثم تدعو لاجتماع كامب ديفيد، سيئة الذكر، الذي ربما يكون تغيب الملك السعودي مجرد رسالة بأن الثقة بين الطرفين تحتاج إلى أكثر من كامب ديفيد !! ومهما يكن من أمر، فإن واشنطن التي هي أيضا وراء تدهور أسعار النفط، ذلك مما يعرض اقتصاديات دول الخليج إلى صدمات، بدا أنها عملت على التراجع تدريجيا عن حلفائها التاريخيين لصالح علاقة متطورة مع الطرف الآخر، ذلك مما يدفع المنظومة الخليجية إلى البحث، أولا عن مصادر اقتصادية متنوعة في ظل التراجع والتلاعب بأسعار طاقة النفط الناضبة، فضلا عن المضي قدما في تشكيل التحالف الإقليمي الذي يتسع لدول مثل تركيا وباكستان و.. و.. وهل تسوقنا الأقدار سوقا إلى صناعة تحالف إسلامي حقيقي يستوعب القضية الفلسطينية في سياقها المركزي المقدس، على أن الذي بيننا هو النفط والدم والتاريخ والمستقبل!!