إذا أردت أن تبحث عن الأخبار الحقيقية، فأدر ظهرك وسد أذنيك وأغلق عينيك عن أي وسيلة إعلامية كائنة ومقيمة في بلد غير ديمقراطي، فكل الأخبار المنتجة هناك ليست أخباراً.
بهذه المناسبة حريّ بنا أن نقول إنه (لا أخبار هنا)، بل حروف مملة وباهتة ومرتجفة تقف على تخوم الحقائق ثم تنزلق وتغوض حتى أذنيها في الأوهام. نحن صُناع الوهم بجدارة.
إدر مؤشر (الراديو) وتجول بالـ(ريموت) وتصفح الصحف ووكالات الأنباء المُقيمة في دول تنعدم أو تضيق فيها هوامش الحريات، (العربية) منها خاصة، فستجد عندها هرجاً عظيماً، جعجعة وهرجلة وغليانا وفورانا وشتائم وتهديدات وصراخا ونعيقا وزعيقا. وفي هذا الخِضم الفوّار تضيع الحقائق، وتتبدد الأخبار. وبهذه المناسبة أيضاً، يجدر بنا أن نشير إلى أن (الصحافة) خبر، ودونه فلا صحافة ولا إعلام.
لن تصمد الأخبار الزائفة والمفبركة طويلاً، هكذا علمتنا تجاربنا المتواضعة في هذه المهنة الشاقة، لذلك فإننا كثيراً ما نشعر بالأسى والحزن والغبن إزاء من يعتقدون أنهم أذكى من جمهور المتلقين (القراء)، وأن بإمكانهم خداعهم بتزييف الحقائق وتلوينها، فالقراء والمساعدون والمستعمون (راكموا) خبرات طويلة في فرز الحقيقة من الزيف إلى حد أنهم – وبعيداً عن هنا – تخلوا إثر ما نتج عن ثورات الربيع العربي من استقطابات حادة، تخلوا عن أهم مصدرين للأخبار العربية في فضائيتي (الجزيرة والعربية)، وعادوا إلى حيث لا حجر ولا حجب ولا قص، إلى رويترز، بي بي سي، الفرنسية (24)، أسوشيتد برس، وكالة الأنباء الفرنسية وخلافها، من الصحف والمجلات عالية المهنية، خاصة وأنها جلها لديه خدمة (عربية).
تقلب الصحف هنا في الخرطوم، وتأمل أن يأتيك اليقين بأن بين (أحبارها) أخباراً، تنظر إلى الشاشات العاصمية تجدها باهتة ومملة، تصيخ إلى الإذاعات (الكثيرة جداً)، ولا تسمع سوى وشوشات وهمس. لذلك فلا تمنّ نفسك بالاطلاع على ما يحدث قريباً منك، ماداموا يخفون عنك ما تحت قدميك.
لكن، الطفرات التقنية التي أنتجتها العقول الذكية والخيال الخصيب، جعلت رويترز على سبيل المثال أقرب إلينا من (كشك الجرايد) المجاور، بكبسة واحدة ودون أن تدفع (مليماً) تحصل على خدمة إخبارية بارعة وصادقة، فما الذي يمنعك من الذهاب هنيهة إلى (بوجمبورا) مثلاً؟
لا شيء عدا أن الصحف هنا تعتقد أن قراءها لا يريدون ذلك، دونما اختبار لميول هؤلاء (المساكين)، وبناء على هذا الاعتقاد الزائف تضخ إليهم (لا أخبار) محلية، وتحرمهم من العالمية، فلا يحوزون (بلح الشام ولا عنب اليمن) إن وجدا الآن.
الغريب في الأمر، أن يوميات الخرطوم التي يبلغ عددها (47 صحيفة، 29 شاملة، و11 رياضية، و7 مما يسمونها اجتماعية) تخوض في محلي (زائف) بادعاء أن قراءها يريدون ذلك دون (المستورد والمحلي معاً)، بلغ متوسط توزيعها اليومي مجتمعة (364.354) نسخة بمعدل قراءة يومية 11 نسخة لكل 1000 شخص.