استراتيجية التشدد الدموي، بعيدة المدى. فككت أولا مايسمى بالإجماع، ذلك الذي هو أهم أعمدته المرجعيات التقليدية. إنها إذن نظرية التفكيك ، والتي تنتهي بتفكيك الدولة، ككيان جامع، وإلغاء ماعرف تاريخيا بالحدود الوطنية.
بتفكيك، واسقاط المرجعيات التقليدية( الرسمية)، كان لزاما- طالما ان الطبيعة تكره الفراغ- أن تقوم مرجعيات بديلة، عشوائية متشددة.. وكان بدهيا أن تتكاثر الفتاوي، وأخطرها على الإطلاق تلك التي تكفر، بل تلك التي تبيح وتحلل حتى القتل بالجملة، ومنتهى الوحشية.
الدم بلى.. تلك هى النظرية.. وحيث كان الدم، كان الرعب.. وكان الفرار.. ولأن الطبيعة- كما كانت أصلا- تكره الفراغ، كان الإحلال والإبدال.. وكان التمكين في الأرض!
تفكيك الدولة، يبدأ بضرب حراسها. من هنا، تجيئ إغتيالات رجال الامن، بمختلف تسمياتهم وتصنيفاتهم، حتى إذا ماتمكن الرعب منهم، شاع هذا الرعب بين الناس، وحين يشيع الرعب هكذا في أي دولة، تصبح الدولة كلها- سكانا ومؤسسات- دولة مرعوبة!
مرة أخرى: حيث كان الرعب كان الفرار.. ، وفي هذه المرة، فرار حتى الدولة كمنظومة قابضة.
أولم أقل لكم، أنها نظرية التفكيك، والإسقاط، ثم الإحلال والإبدال؟
القاعدة، حتى قبيل التوماهوك الذي ضوأ ليل كابول- وقمرها يومذاك بحسب تيسير علوني كان يبتسم- لم تكن شرا مستطيرا، والشيخ بن لادن، يقسم بالذي رفع السماء بغير عمد، بأنه لا سلام ولا أمن( مع الفسطاط الآخر) إذا لم بره المسلمون واقعا في فلسطين (وغيرها).
كانت القاعدة يومذاك، كيانا قابضا.. وكان بالإمكان الحوار.. وكان بالإمكان تقديم الجانبين للتنازلات المؤلمة خلال الحوار- لكن بوش الذي قسم العالم إلى أخيار وأشرار- أخذته العزة باثم التوماهوك وإف 16وطائرات الشبح، فلم يرخ أذنيه للشيخ صاحب الوجه الطويل والسبابة التي تلوّح!
تضوأ التوماهوك. ولم يكن قمر كابول هو وحده الذي كان يبتسم. ابتسم الشيخ بن لادن في سخرية، وهو يقول بينه بين نفسه: « الشبح؟ حسنا! القاعدة لها أيضا أشباح!» وكان قراره: تفكيك قيادة القاعدة القابضة، إلى قيادات في كل كل مناطق العالم!
القاعدة الأم، تناسلت قواعد,, ومن بين هذه القواعد من بات أكثر تشددا، وأتخذ من الأسماء، ما اتخذ، ومن بين هذه الأسماء داعش وبوكو حرام، وأنصار الشريعة وجند الله، والبقية في أطوار النطفة والعلقة والمضغة، وتمام التكوين!
الأشباح الان، في كل العالم.. والشبح الطائرة، هى الآن بلا رؤية، تتخبط في الظلام.. والعالم كله من ظلام إلى ظلم، والظلم ظلمات!
أنظروا كيف أن التفكيك يفضي إلى تفكيك..
أنظروا، كيف ان القاعدة حين كانت قابضة، لم تكن شرا مستطيرا.
أنظروا .. كيف ان بوش، بتفكيكه للقاعدة(القابضة) نشر- من حيث يدري أو لا يدري- جعل منها، كل هذا الشر المستطير، في كل خطوط الطول والعرض، وخط الإستواء!
أنظروا، كيف استلهم المتشددون، نظرية بن لادن في تفكيك القاعدة إلى قواعد، وتفكيك المشيخة إلى مشائخ، في تفكيك المرجعيات الرسمية، وتفكيك الدولة، وتفكيك هذا العالم كله!
أيها الناس.. ها أنتم الآن، في عالم يتفكك يوما من بعد يوم، وتسقط فيه في كل يوم أنبل القيم، والأخلاق، والأعراف، والمبادئ.. وحين تسقط كل هذه، ستأكل كل هذ النيران المدلهمة العالم كله، ثم تأكل نفسها في النهاية!