بكرم الدناقلة المعهود دعانا إلى وجبة الإفطار التي تزامنت مع حضورنا إلى مكتبه الفخيم بشارع الستين في ضاحية (الرياض) جنوبي الخرطوم، فكان فول السليم الطازج بزيت السمسم الحار والجبنة والطعمية هو الفطور الذي تناولناه مع الوافد الجديد للمجلس الوطني النائب أبو القاسم محمد أحمد برطم، الرجل الذي شيع الشجرة إلى مثواها الأخير بالولاية الشمالية، بعد أن اكتسح مرشح حزب المؤتمر الوطني بلال عثمان بلال في الدائرة الثانية القومية دنقلا، والسيرة الذاتية للمرشح الحائز على مقعد في برلمان الشعب أبو القاسم برطم، تشير إلى أنه من مواليد قرية (مقاصر) في العام 1965م، متزوج وأب لعدد من البنين والبنات، حاصل على ماجستير فيزياء، بالإضافة إلى أنه رجل أعمال، وأخيراً ألتحق بالسياسة، (ألوان) حاصرته بمكتبه وطرحت عليه حزمة من الاستفهامات حول مستقبله السياسي، فإلى مضابط الحوار
• اكتساحك لدائرة دنقلا جعل البعض يرى في شخصك مشروع رئيس لجمهورية السودان في الانتخابات المقبلة.. ما تعليقك؟
لم أفكر في هذا مطلقاً، لكن طموحي الأول والأخير هو خدمة أهالي منطقتي، وهذا الطموح لم يصل إلى مرحلة الرئاسة، لأن الترشح لرئاسة الجمهورية يحتاج إلى إمكانيات، وفهم مختلف بعكس الترشح للمجلس الوطني، ونجاحنا في الدائرة القومية دنقلا كان مربوط بعوامل كثيرة، لكن في النهاية الهدف الأساسي من الترشح هو خدمة المواطن في الدائرة، ونجاحنا في الدائرة (2) لا يعني إننا سنبدأ التفكير مباشرة في رئاسة الجمهورية.
• وما الذي يمنع التفكير في مقعد الرئيس إذا كان الهدف خدمة الناس؟
ترشحنا للمجلس الوطني لم يكن من أجل ممارسة السياسة، والخمسة عشر مرشح الذين نافسوا البشير في الانتخابات الماضية، مارسوا السياسة وخبروا طرقها الوعرة، لكن دخولنا نحن إلى عالم السياسة، جاء من بوابة خدمة المواطن، وحتى ترشحنا كان تلبية لرغبات أهالينا في الدائرة (2)، الذين اختاروا شخصي الضعيف ممثلاً لهم في برلمان الشعب، نعم أنا أحمل هم هذه البلد ككل، لكن مسؤول أمام الله من أهالي دائرة دنقلا القومية، لذلك لن أشغل الذهني في الوقت الحالي بأمر الترشح لرئاسة الجمهورية، ودعنا لا نسبق الأحداث، وحينما تأتي الانتخابات سيكون لكل حدث حديث.
• الزعامات تصنعها الجماهيرية وأنت لديك شعبية كبيرة، إذا طلبوا منك الترشح لمنصب الرئيس هل سترفض ذلك؟
حتى إذا طلبوا مني الناس الترشح لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات المقبلة، أعتقد أن الإمكانيات لا تسمح بذلك، هذه مهمة كبيرة وأنا لن أخوض معركة خاسرة، يعني مثلاً في الانتخابات الماضية كثيرين ترشحوا لمقعد رئيس الجمهورية، لكنهم خسروا السباق، لأنهم لا يمتلكون المؤهلات التي تمكنهم من الدخول إلى القصر الجمهوري.
• هناك من يتهمك بأنك دخلت إلى عالم السياسة من أجل حماية مشاريعك التجارية وتسييرها فقط.. ما تعليقك؟
أولاً أنا لم أتحول من البزنس إلى السياسة، وكما ذكرت لك أنفاً، نحن دخلنا السياسة من أجل ممارسة دور خدمي، نستخدم فيه مجموعة من الآليات، وأنا حينما أتحدث في البرلمان لن أكون (زي أي جلابي)، لأني عندما ترشحت استصحبت معي مكتب قانوني وإعلامي واقتصادي، وسأتحدث برؤية علمية محددة وسأكون إضافة للبرلمان وليس العكس، ولا توجد علاقة بين مشاريعي التجارية وصفتي الجديدة كنائب في المجلس الوطني، وشركاتي الحمد لله شغالة وليست بحاجة لحماية من البرلمان أو غيره.
• كيف ستستطيع المزاوجة بين السياسة والبزنس بعد أن أصبحت نائباً برلمانياً؟
الشعب السوداني دا كله سياسي، وفي واحدة من جولاتنا بالولاية الشمالية، وطبعاً أغلب الناس هناك يعملون بالزراعة، وجدنا مجموعة من الشباب يتحدثون في السياسية وكأنهم خريجين من كلية العلوم السياسية، لكن معظم السياسيين في السودان أخذوا السياسية كوسيلة لتحقيق أغراض أخرى، سواء كانت مرتبطة بالبزنس أو غيره، لذلك أصبح هناك تناغم كبير ما بين السياسة والبزنس، بمعنى أن السياسة هي إدارة أمور البلد بصورة جيدة تحفظ للمواطن آمنه واستقراره، أما البزنس هو إدارة شركة ما أو مصنع ما بصورة جيدة، تضمن استمرارية الإنتاج وتحقيق الأرباح، بالتالي السياسة والبزنس ليس ببعاد عن بعض، وأنا وضعت في شركاتي نظام يمكنها من العمل حتى في حالة عدم وجودي، بمعنى إنني إذا كنت مشغول بالبرلمان فلا خوف على تجارتي، وفي اعتقادي الخاص أن البزنس نفسه سياسة ومن يعمل به يستطيع فعل أي شيء.
• حدثنا عن ممارستك للسياسة في المرحلة الجامعية أو عن أيام الصبا كما يقولون؟
كنت متفرج فقط، أو قل كنت مستقل، لم أنتمي لأي حزب سياسي، وقد درست المرحلة الجامعية في الجماهيرية الليبية، وحاصل على درجة الماجستير في الفيزياء، وأنا منذ المرحلة الثانوية ليست لدي أي علاقة باتحادات الطلاب والروابط، وكنت محايد لا مع ولا ضد، وافترض أن كل النقاشات التي كان يتداول فيها الناس آنذاك مع احترامي الكامل لها، لا تودي إلى نتيجة في آخر المطاف، فبالتالي النقاش فيها مضيعة للزمن، يعني مثلاً كانوا يختلفون في الفرق بين الرابطة وبين الاتحاد، مجموعة تناضل من أجل تكوين الاتحاد، وأخرى من أجل الرابطة وفي الآخر يختلفون وهكذا، حتى الخلافات نفسها كانت أغلبها في المسميات وليست النتائج لذلك اخترت البعد عن السياسة وممارستها، لأنني رجل عملي ولا أحب تضيع الوقت.
• إذن كيف اتخذت قرار الترشح للمجلس الوطني؟
أنا لم أتخذ هذا القرار، وإنما أجبرت عليه، وقرار ترشيحي اتخذه أهالي الدائرة القومية دنقلا، ووضعوني أمام الأمر الواقع، لكن بعدها شعرت فعلاً أن هناك دور لأبد لي من القيام به تجاه الأهالي الذين وضعوا ثقتهم فيني، واستجابة لهذه الرغبة خضت الانتخابات والحمد لله اكتسحتها بفضل الناس الذين وقفوا معي وساندوني، لكن لم يكن هنالك أي تخطيط مسبق لخوض الانتخابات، فالترتيبات كلها جاءت قبل الانتخابات بفترة قصيرة.
• هل برطم ضمن قائمة الأثرياء الـ(100) في السودان؟
لا طبعاً.. ولا ضمن قائمة المليون حتى، في مثل يقول سوداني يقول (الصيت ولا الغنى)، فالناس مفتكره إنه أبو القاسم برطم رجل ثري جداً، ومن أثرى أثرياء السودان، لكن أنا إذا صنفت نفسي ولا رقم مليون في التصنيف، فإذا كنت بنفق في مساعدة أهلي مبالغ طائلة هذا لا يعني إنني رجل ثري للدرجة التي تضعني ضمن قائمة الأثرياء الـ(100) في السودان.
• ثمة اعتقاد بأن الوطني أفسح المجال للمستقلين لكي يضمن نزاهة الانتخابات؟
عدا الدائرة القومية دنقلا، والمؤتمر الوطني أتهزم في هذه الدائرة لأنه لم يفي بالتزاماته ووعده للجماهير التي ساندته في الانتخابات الماضية، فالحزب وعد الناس بخدمات محددة وللأسف لم تتم، لهذا أضحت الناس لا تثق في الوعود التي يقدمها للناس، لأنها في الأخير تكون مجرد وعود انتخابية، الغرض منها الاستهلاك السياسي، أثناء فترة الانتخابات، وأنا أفتكر أن إنسان الشمالية إنسان واعي، والمعاناة التي نعانيها نحن في الشمال أكثر من أي معاناة أخرى، ممكن يعانيها الإنسان في أي جزء من أجزاء السودان.
عدد المستقلين الآن (19) نائب في البرلمان هل يوجد أي تنسيق فيما بينكم؟
كان في مقترح لتكوين كتلة وأنا الحقيقة أفشلته، لأن تكويننا للكتلة سيجعلنا جسم أو كيان، والورقة التي قدمت إذا الحكومة لم تستجيب سنكون حزب، لديه 19 مقعد في المجلس الوطني، فبالتالي يستحق وزارات ويستحق لجان، وهم طالبوا برئاسة بعض اللجان لكن أنا لم أطالب، وكلامي واضح ما داخل البرلمان علشان أبقى وزير أو رئيس لجنة، وإذا كان هدف الكتلة رئاسة اللجان، وثلاثة أو أربعة وزارات، أنا بره منهم، وفي النهاية أنا مع الرأي الصواب، سوى أن كان مطروح من المؤتمر الوطني أو غيره سنقول (نعم)، وأي حزب في البرلمان طرح أي أمر أنا شخصياً اقتنعت إنه سيخدم البلد والمنطقة التي أمثلها، سأقول معه نعم، فأنا ما شايف إنه في حوجة إلى إننا نتكتل، ونتكتل ضد منو؟ وأنا بالنسبة لي الاثنين سوا كان حكومة أو معارضة، عندي وجهان لعملة واحدة، هذه (طُره) والأخرى (كتابة).
المعروف أن المجالس التشريعية هي المنوط بها الخدمات وأن المجلس الوطني دوره رقابي.. كيف ستقدم الخدمات لأهالي دائرتك؟
الحكومات هذه لم تقدم لنا شيء، منذ النميري وحتى الآن، بفهم القومية دا (كتلوتا)، فالحكومة سوى كان دي أو قبلها ما قدمت لينا أي خدمة، لا في تعليم ولا في صحة، كل المدارس وكل المستشفيات الموجودة الآن في الشمالية، قامت بجهود أبناء الولاية الشمالية، والآن 90% من الخدمات قام بها الأهالي بمجهود فردي وشعبي، دون تدخل من الحكومة، والدور الرقابي الذي سأقوم به في البرلمان على الأقل، سيمكنني من معرفة المال الخارج من الولاية أو الداخل إليها كيف يدار وأين ذهب، كونك تمارس دور رقابي على الأقل بتجفف منابع النزيف الموجودة في المنطقة، عندنا نهب ثروات حاصل يومي، أنا كدور نقابي سأفتح كل هذه الملفات، بعدين أنا ولاية غنية وليست فقيرة، الشمالية ولاية منتجة، وما ممكن الضرائب والجبايات تكون ممنوعة على الزراعة والمحاصيل في كل الولايات عدا الولاية الشمالية.
هل قلت إنك ستنفذ مطالبات الذين صوتوا لك حتى ولو على حساب الشريعة الإسلامية؟
نحن قلنا هنالك أربعة أشياء لا نقبل فيها الآن أي مزايدات، وهي رئيس الجمهورية كرمز قومي، واستقرار البلد وآمنها، والشريعة الإسلامية إذا ارتضوها الناس وطبقت صاح، بالإضافة إلى المؤسسة العسكرية، وفيما يتعلق بالشريعة بالتحديد نحن دولة إسلامية، القانون الصحيح ليها هو الدين، والقانون الإلهي دا أصلاً ما فيهو خلل، لكن من المفترض أن تطبق الشريعة الإسلامية بالطريقة الصحيحة، لأنها تحقق العدالة الاجتماعية، والشريعة في السودان مطبقة منذ دخول الإسلام قيل أكثر من سبعمائة ألف سنة.
هل قانون التحلل يدخل ضمن قائمة القوانين التي تسنها الشريعة الإسلامية؟
أنا أعتبر أن التحلل بدعة، ولا يعفي الإنسان من العقاب، والدين الإسلامي هذا واضح ليس فيه أي لبس، وللأسف الدين في مجتمعنا أصبح سلعة تتم المتاجرة به.
ماذا لو كنت أنت رئيس السودان.. وما هي القرارات التي سوف تتخذها؟
أولاً سأحقق للإنسان كرامته وقيمته، وسأحارب الفساد، الذي ينخر في اقتصادنا، وإذا كان دستور البلد الليلة يبيح للإنسان إنه يسرق ويتحلل يبقى على الدنيا السلام، ما في دولة وما في قانون، وإذا ثبتت جريمة السرقة على شخص ما لأبد أن يعاقب، والشريعة قالت لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها، وأنا أقول لكل المزايدين لا تزايدوا بالدين والشريعة، لأن السودان بلد إسلامي وأنا من قرية اسمها (قرية القرآن) وشعاري في الانتخابات (المئذنة)، وأنا مع طلبات المواطن التي هي بالنسبة لي بدون سقف، حتى ولو طلب إننا نقيم علاقات مع إسرائيل سنقيمها، وإذا طلبوا إننا نلغي الشريعة سنلغيها.
حوار: أكرم الفرجابي- الوان