الشباب العربي يرفض الطائفية لكنه وقود لها

“الأخ سني أم شيعي؟” سؤال لم يعد غريبا أن تسمعه في عدد من الدول العربية. وسواء طُرح هذا السؤال بشكل عفوي أم بشكل واع، فإنه تعبير عن طريقة تفكير أصبحت سائدة في العالم العربي تضع الناس في خانات طائفية. فهل الشباب واع لذلك؟

مشكلة الطائفية في العالم العربي ليست جديدة، فالعالم العربي الذي يتميز بتنوعه الديني والعقائدي والثقافي هو منطقة خصبة للصراعات العقائدية والدينية منذ قرون، لكن تزايد حدة العنف في الشرق الأوسط باسم الدين والطائفة أعاد النقاش حول هذا الموضوع .

فقد كشف تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش ( 19مارس/آذار 2015) عن جرائم شنيعة ترتكب في العراق من قبل ميليشيات طائفية ، تقابلها جرائم إبادة ضد الإنسانية يرتكبها تنظيم”الدولة الإسلامية” بالإضافة إلى عمليات التطهير العرقي التي تجري هناك، كما سبق لنفس المنظمة الدولية أن تحدثت عن السياسة الطائفية في البحرين .

وفي لبنان ما تزال الطائفية جزءا لا يتجزأ من الحياة السياسية بالرغم من الأصوات التي نادت بإسقاط النظام الطائفي عام 2011 . فهل يمكن للشباب العربي في ظل كل هذه المعطيات أن يضع حدا للطائفية؟ ؟ وهل لديه أصلا الإمكانيات والقدرة للقيام بذلك؟ هل يستطيع أن يترفع عن الانغماس في مستنقع الطافية، أم سيكون وقودا يغذيها ؟

لبنان “زمان الطائفية” الذي لا ينتهي !

يُعد لبنان من أكثر دول العالم التي عانت من الطائفية، إذ ما تزال شوارع بيروت حتى اليوم شاهدة على حرب أهلية خلفت أكثر من 150 ألف قتيل وآلاف الجرحى والمفقودين.

“لقد أخذت الحرب الأهلية في لبنان 17 عاما من عمري، واليوم أنا مقبل على الستين.” هكذا يقول الفنان والملحن اللبناني زياد الرحباني مستحضرا الحرب الأهلية في لبنان في حوار معDWعربية معلنا من خلال شاشتها أنه قرر مغادرة لبنان نهائيا باتجاه العاصمة الألمانية برلين، بسبب الانقسامات السياسية والطائفية في لبنان

ويُحمّل زياد الرحباني المسؤولية في تأجيج الطائفية في لبنان “لزعماء الأحزاب في لبنان ورجال الدين”، كما أكد صاحب أغنية” يا زمان الطائفية” أن”ما يسمى بالربيع العربي مسؤول عن تأجيج الطائفية في كل العالم العربي”، معتبرا أن “الطائفية هي نوع من أنواع العنصرية وأنه من السهل أن تتحول المشاعر الطائفية إلى حرب “.

في فبراير2011 ومع بداية ما يعرف باسم الربيع العربي دعا مجموعة من الشباب اللبناني للتظاهر لإسقاط النظام الطائفي في لبنان، المدون والإعلامي عماد بزي كان واحدا ممن دعوا للتظاهر من خلال مدونته “تريلا” والتي أصدرت بيانا حمل العديد من المطالب وعلى رأسها “دولة علمانيّة مدنيّة ديمقراطيّة، ودولة العدالة الاجتماعيّة والمساواة ”

يقول المدون عماد بزي لDWعربية إن “الهوية الطائفية هي الشيء الوحيد الذي لم أختره، لذلك لا أعتبر أن الهوية الطائفية معبرة عن الذات.” ويتابع:” الكثير من الشباب يرفضون الطائفية في المجتمع اللبناني، فالتعيينات والوظائف في لبنان قائمة على أساس النظام الطائفي.” ويرى بعض الشباب اللبناني في مقاطعة الانتخابات حلا من الحلول التي يمكن من خلالها إضعاف النظام الطائفي في لبنان، لكن عماد بزي يقول ” حتى هذه الإمكانية لم تُعط للشباب بسبب عدم إجراء انتخابات برلمانية في لبنان والتمديد للنواب مرتين متتاليتين.” ويؤكد المدون اللبناني أن إضعاف الطائفية في لبنان سيضعف نفوذ دول أخرى كالسعودية التي تسيطر على السنة وإيران التي تسيطر على الشيعة والدول الأوروبية التي تسيطر على المسيحيين” حسب تعبيره.

شباب البحرين: ثورة قد يحرقها لهيب الطائفية

شهدت سنة 2011 احتجاجات واسعة في البحرين، رافقها انسحاب 18 نائبا من مجلس النواب البحريني يمثلون جمعية الوفاق احتجاجا على “قمع الاحتجاجات” وللمطالبة بـ”ملكية دستورية حقيقية”. الحكومة البحرينية وصفت آنذاك المعارضة البحرينية بالطائفية. المدون البحريني نادر عبد الإمام يقول لDWعربية إنه:”لا توجد في أجندة الشعب البحريني أي مطالب طائفية، المطالب هي مطالب وطنية تتعلق بالمواطنة والمساواة والتوزيع العادل للثروات سواء بالنسبة للشيعة أو السنة.”

ويحاول عدد من الشباب البحريني من خلال جمعيات المجتمع المدني أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي إيصال صوتهم ضد ما يعتبرونه تمييزا طائفيا. المدون نادر عبد الإمام يرأس أيضا جمعية “إنصاف” لمناهضة التمييز الطائفي، إذ يرى أن “أبناء الطائفة الشيعية لا يوجد لهم تمثيل حقيقي في الدولة، لا في السلطة التشريعية ولا في السلطة التنفيذية مع أنهم الأغلبية ”

وفي البحرين هناك تضارب في الإحصاءات السكانية في ما يخص نسبة السكان السنة والشيعة. فخريطة وكالة تومسون رويترز تظهر أن نسبة الشيعة في البحرين هي 70% أما المركز الرسمي للإحصاء في البحرين فيحصُر الرقم في 49% فقط .

العراق صراع طائفي لا يهدأ

قد لا يمر يوم في العراق دون تسجيل عملية انتحارية هنا أو انفجار سيارة مفخخة هناك، وتتعدد الهجمات باستهداف مسجد سني أو حي ذي غالبية سكانية شيعية، إضافة إلى العمليات العسكرية التي يقوم بها تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي. في سنة 2014 وحدها أسفرت عمليات العنف في العراق عن مصرع أكثر من 12 ألف شخص وإصابة مئات الآلاف فضلا عن ألوف النازحين .

لكن الشباب العراقي يبقى رقما صعبا في معادلة الطائفية في البلد، فهناك شباب بات وقودا للطائفية واستغل حماسه وقلة خبرته ليزج به في صراعات طائفية باسم الدفاع عن عقيدته وطائفته، فيما يسعى بعض الشباب إلى نبذ الطائفية والى العيش بكرامة بعيدا عن الصراعات .

علي عادل هو مدون عراقي من بغداد انخرط في مبادرة شبابية تحت عنوان” كلنا مواطنون” وهي مبادرة ترمي إلى توعية الشباب بمخاطر الطائفية والتمييز الديني، تأسست برعاية مؤسسةPAX الهولندية. يقول علي:”للأسف الكل مشترك في الطائفية، من قبل – في عهد صدام- كان التمييز الطائفي مقتصرا على مستوى الحكومة، أما اليوم فأصبحت الطائفية على مستوى الشعب نفسه.”

علي وزملاؤه يحاولون اقتحام الدوائر الشبابية في مناطق مختلفة من العراق وتقديم مجموعة من النصائح والمعلومات، ويلاحظ علي أنه” قبل سقوط الموصل في يد داعش كان كلامنا يلقى صدا لدى الشباب، لكن بعد سقوط الموصل في يد داعش لحظنا نوعا من التراجع، إذ يسمعنا الشباب لكن لا يُبدون اقتناعا بكلامنا “.

وعند القيام بجولة سريعة في موقع يوتيوب على سبيل المثال، يظهر الصراع السني الشيعي جليا في تعليقات رواد الموقع. فحتى إذا كان الفيديو المعروض بعيدا عن أي محتوى ديني، تجد ضمن التعليقات تبادلا للشتائم والعبارات اللفظية المهينة في حق الطائفتين السنية والشيعية، وهو أمر يدل على أن المسألة السنية الشيعية لدى الشباب قد تأخذ أبعادا أخرى سيكشف عنها المستقبل.

DW

Exit mobile version