الأخ الكريم: “الهندي عز الدين”
سلام من الله عليك ورحمته وبركاته
قرأت عمودك الصادر في صحيفة (المجهر) بتاريخ 12 مايو 2015، الذي خصصته بالكامل للنزاع الدائر بين قبيلتي (المعاليا) و(الرزيقات)، وفيه أبديت آراء جميلة جداً تنم عن اهتمامك بمثل هذا النوع من الصراعات، وسعدت جداً لجرأتك وتوجيه النصح الثمين لقيادات القبيلتين الأهلية منها والسياسية ونبهتم لعواقب ما يحدث ونتائجه الوخيمة التي تترتب على هكذا أحداث، وتخلف عن ركب التنمية والتعليم والخدمات الصحية، وأن السودان لن ينتظر (الرزيقات) و(المعاليا) حتى تعود لهم عقليتهم ويحلون مشاكلهم.. فالضحية هو المواطن المسكين من الطرفين ويدفع الثمن غالياً.
لكن أوجه لوماً كثيراً لحكومتنا المحترمة التي تتحمل جزءاً غير يسير من المسؤولية، خاصة بعد (مؤتمر صلح مروي) الذي رفض (المعاليا) مقرراته وقبلهم (الرزيقات).. ما هو الدور الذي من المفترض أن تقوم به الحكومة تجاه من رفض التوقيع؟! وقفت الحكومة مكتوفة الأيدي تتفرج على القبيلتين تتحرشان ببعضهما البعض دون أن تحرك ساكناً حتى وقعت الفأس على الرأس، وبدأت تتحرك على استحياء بعد أن أزهقت أرواح ودمرت ممتلكات وخربت بيوت، وتعقد الأمر أكثر وأكثر.. وأرجو أن تسمح لي بالإدلاء ببعض الأفكار التي أراها تصب في صالح حل المشكلة:
أولاً- عزل الوالي الحالي وحكومته يعدّ أولى الخطوات في الطريق الصحيح.. الموقف ملتهب في الولاية ويكاد أن ينفجر، بينما الوالي وحكومته بالكامل موجودون في الخرطوم. ماذا يفعلون أو يحققون ومواطنهم يقتل الآخر؟ أيهما أهم؟ ما يبحثون عنه في المركز أم حقن دماء المسلمين؟!
ثانياً- عزل ومحاسبة رجال الإدارة الأهلية في القبيلتين الذين يدعون “الدواس” ويشمل ذلك بعض قيادات المجتمع.. بهذا العمل تفرض الدولة هيبتها، إذ لا كبير أمام القانون.. أما أمر نزع السلاح من المواطن العادي فيحتاج إلى دراسة وافية ليس هذا مكانها.
ثالثاً- تعيين والٍ سياسي وذي خبرة.. صحيح أن الأمن منفلت ومزعزع وغير مستقر، لكن أثبت الولاة العسكريون في دارفور فشلهم في حفظ الأمن ابتداء بالفريق “إبراهيم سليمان” بشمال دارفور، مروراً باللواء “جار النبي” بجنوب دارفور وانتهاءً بالعقيد “الطيب” في شرق دارفور.. نحتاج إلى والٍ سياسي محنك وله إلمام بثقافة أهل دارفور وعاداتهم وتقاليدهم وخاصة البدو منهم.
رابعاً- أن تعامل هذه الولاية معاملة خاصة لأنها ولاية وليدة وتفتقر إلى البنى التحتية، وأن توضع كلها تحت رعاية هيئة الرئاسة حتى يستقر أمرها، وألا تترك لروتين المركز في مسائل الدعم المركزي.
خامساً- نقل قيادات في الخدمة المرتبة لتولي أمر الإدارة الحكومية وبناء قدرات إدارية، أهمها الحيدة والإلمام بقوانين الخدمة وتحمل مسؤولية ما يتخذ من قرارات إدارية دون اللجوء للجوديات في العمل الحكومي.
سادساً- ترشيد الصرف الحكومي والبحث عن مواعين إيرادية وينصرف الذهن التنفيذي للتنمية واستتاب الأمن.
سابعاً- وضع خطة لاستقرار الأمن وطمأنة المواطن ورجل الأعمال الذي يتأهب الآن لمغادرة الولاية حفاظاً على ماله وروحه.. خطة قصيرة المدى، تشمل: الاهتمام بالزراعة وتربية الحيوان وتسويق هاتين السلعتين الرئيسيتين في الولاية، توصيل طريق (النهود-الضعين- نيالا) ليلتقي بطريق (الإنقاذ الغربي)، الاهتمام بالطرق الداخلية، تنظيم التجارة مع دولة الجنوب وتفعيل مشروعي (أبو فامة وأم عجاج).. هذا من جانب الدولة.. ومطلوب من المجتمع الكثير ويتمثل في:
} ما عادت الجودية التقليدية لحل النزاعات القبلية في دارفور مقنعة للأجيال المتعلمة.. وكمدخل لمخاطبة تطلعات هؤلاء الشباب من القبيلتين نطرق باباً مدنياً متحضراً عساه يفتح لنا نافذة لبر الأمان.. وهنا نقترح ملتقى أو مؤتمراً جامعاً للمستنيرين والمتعلمين من القبيلتين ليواجهوا الواقع المرير الذي يعيش فيه أهلهم هناك بأسلوب حضاري.. يجب ألا نقصي من هذا الملتقى أحداً بلونه السياسي أو وضعه الاجتماعي أو مواقفه السابقة من هذا الصراع. ونضع كل شيء فوق الطاولة بدلاً عن أن نتوارى خلف روابط طلابية لم تنضج بعد أو مجالس شورى مختلف عليها إلى آخر المسميات التي ابتدعت غطاء لأعمال سلبية وغير مشروعة.
} حتماً سيصل هذا الملتقى إلى نقاط إيجابية تعزز التعايش السلمي بين المجتمعات، على أن تتولى منظمات المجتمع المدني نشر هذه المبادئ.
} الكشف عن كل ما يصب في خانة تعزيز التواصل بين المجتمعين، التصاهر، الصداقات، التحالفات، زمالة المهنة الدراسة، العمل المشترك والجيرة وحقها.
} تتولى العمل الاجتماعي منظمات المجتمع المدني بعيداً عن السياسة التي يفهمها كثيرون هناك بأنها خداع وتآمر وإقصاء بطرق قانونية وأخرى غير قانونية.
محمد برشم محمد
مواطن من شرق دارفور
صحيفة المجهر السياسي