كنت أكثر الناس سعادة بالالتحاق بالجامعة، لأنه كان يعني الطلاق «بالثلاثة» بيني وبين الرياضيات.. فقد كانت المراحل ما قبل الجامعية كابوساً بسبب الحساب والجبر، وحتى هذه اللحظة لا أفهم لماذا تصبح 8 صفرا إذا ضربناها في صفر، ما السر الكامن في الصفر حتى يلغي الـ8 التي هي أكبر منه؟ وفي الجبر تجد مسائل من شاكلة (ص – س) مضروبة في ج أس 3 زائد دال = صفر، والمطلوب من التلميذ أن يحل المسألة! ما هي محلولة بدليل أن نتيجتها معروفة! ويا ما تعرضت للتريقة كلما سألني المدرس سؤالا سخيفا مثل 8 زائد 7، أو 9 في 4، كنت أنظر إلى السقف وأصابع يدي وقدمي تتحركان بسرعة جنونية بحثاً عن الإجابة فيفاجئني المدرس بتعليق بايخ: الإجابة مش مكتوبة في السقف. وأذكر كيف تصببت عرقا عندما صرفوا لي في المدرسة الثانوية جداول اللوغريتمات، فقد حسبت أنه «عمل»، بمعنى أن شخصاً يكرهني أو يحسدني (لا تسألني: على ماذا؟) قام بكتابة تلك الطلاسم كي يلحق بي الأذى.
الغريب في الأمر هو أنني كنت لا أكره فرع الرياضيات الذي يسمى «الهندسة»، ربما لأنني جبان، فالهندسة تتألف من قوانين، وأنا أخاف من القانون ورجال القانون ولا أتردد في رفض أي وظيفة مهما كانت مغرية إذا قالوا لي إنها توفر لي «الأمن» الوظيفي… حد الله بيني وبين الأمن.. هذه كلمة يسميها الإنجليز misnomer أي ذات استخدام ومعنى مغلوط، فـ«الأمن» يسبب القلق والخوف فكيف يعطي الأمن والأمان؟ إلى يومنا هذا أستطيع أن أحل المسائل المتعلقة بالمثلثات والدوائر وأعرف نظرية فيثاغورس جيداً، ولكن كانت هناك نظرية في الهندسة اسمها أبولونياس لم تدخل رأسي قط رغم أنني حاولت مرارا فك طلاسمها، وأعتقد أن سبب ذلك هو أن اسمها «يعقد».
على كل حال بارك الله في الخواجة البروفيسور برايان بترويوث من جامعة لندن الذي أثبت أنني من ذوي الاحتياجات الخاصة وأعاني من مرض اسمه ديسكالكيوليا Discalculia الذي يصيب نحو 6% من بني البشر، والإنسان يولد بهذا المرض الذي يجعل المصاب عاجزاً عن فهم دلالات الأرقام لعلة عصبية/دماغية، كما أنه يجد صعوبة في حساب «الفكة/الخردة»، أي يشتري شيئاً فيعيد إليه البائع مبلغا من المال فلا يحسن الشخص المصاب بالديسكاكيوليا معرفة ما إذا كان قد تسلم «باقي المبلغ» الصحيح أم لا، ولا يفهم ما تحتويه بيانات الرصيد التي تصله من البنك، وربما يفسر هذا فشلي المزمن في «تكوين نفسي» رغم أنني مغترب في منطقة الخليج منذ معركة ووترلو حيث انهزم نابليون وتم نفيه إلى جزيرة سانت هيلينا وتوجهت أنا إلى الخليج.
والشكر موصول إلى السيدة هيلاري فريمانز التي وجدت الشجاعة لتكتب عن معاناتها من ذلك المرض في صحيفة التايمز اللندنية، وهكذا فإن جميع من كانوا يصفونني بالبلادة -مدرسين وطلابا- مطالبون بالاعتذار لي بعد أن ثبت علمياً أنني أعاني من إعاقة.. حتى عام 1974 كان هناك صغار يوصفون بالكسل والخمول والغباء لعدم قدرتهم على القراءة والكتابة وتطوير ملكاتهم اللغوية ثم اتضح في تلك السنة أن شريحة كبيرة من الناس تعاني من بطء في التعلم خاصة في مجال اللغة بسبب مرض اسمه ديسلكسيا Dyslexia.
بالمناسبة أنا أتكلم عن الإعاقة التي أعاني منها بكل جدية وأملي أن ينتبه أولياء الأمور والمدرسون إلى احتمال أن الطفل الذي يصفونه بالغباء والحمورية قد يكون يعاني من اضطراب يجعله بطيء الفهم في مجالات معينة.. وليت الآباء والأمهات يكفون عن إجبار عيالهم على الالتحاق بالأقسام العلمية رغم أنوفهم لأنهم يريدون منهم أن يصبحوا أطباء ومهندسين.. بالمناسبة نحو 95% من قادة العالم خريجو أقسام وكليات أدبية!!
jafabbas19@gmail.com