اجلس القرفصاء. تنفس بهدوء، وتأمل! تلك رياضة، مارسها لثلاثة أيام، في كل اسبوع لمدة نصف ساعة تقريبا، لتكسب دماغك قدرا من الحيوية، والشباب. الدماغ تشيخ فيه الأنسجة، مثلما تشيخ أنسجة الركبتين- مثلا- وغير هذه الانسجة في الجسم، بتقدم العمر.. ولئن كانت الرياضة البدنية، مهمة ومفيدة جدا، للجسم في كل مراحل نموه، وارتداده إلى الوهن، فإن رياضة التأمل، مهمة ومفيدة إلى الدماغ، وهو من وهن إلى وهن. باحثون أميركيون، معنيون بالدماغ وأنشطته وسلامته وقدرته على التركيز، شددوا على أهمية ممارسة رياضة التأمل، في دراسة حديثة، بكلية ديفد جيفين، في جامعة كاليفورنيا. الدراسة أثبتت أن في الدماغ مادة رمادية، تتناقص مع تناقص العمر.. وهذه المادة والتي هي عبارة عن أنسجة عصبية معنية في الاساس بالمحافظة على الانسجة العصبية، تلك المعنية بالتركيز في المعلومات. التأمل، درجة متقدمة من التفكير.. وهو ما اكتسب هذه الدرجة الرفيعة، إلا من التركيز: تركيز العقل كله، على شيء واحد، وإلى الدرجة التي يصير فيها هذا الشيء الواحد، هو وحده: لا قبله شيء ولا بعده شيء.. لا شيء غيره يشغل العقل، ولو لثانية.. بل لثالثة واحدة! في تلك الجلسة القرفصائية، التي تنتظم فيها الأنفاس الطالعة والنازلة، بشكل غريب، ويحتشد فيها الدماغ كله، في التركيز على شيء واحد، ينشط الدماغ في إفراز المادة الرمادية، التي (تتمسح بها المعلومات، ونصبح بالتالي في حالة سيولة، تسمح بالتدفق، بمنتهى السلاسة، متى ما استدعاها الدماغ، في وقت لاحق!). فهمت من الدراسة، أن التأمل علاج للخمول والعجز الذهني، بكل ما يسببه الخمول والعجز من نسيان إدراكي، وتلك آفة تصيبنا نحن العواجيز، وتربكنا حد الحرج، في الكثير من المواقف. اليوغا.. جلسة تأملية.. لكن جلسة ما بعد الصلاة، يصبح التأمل فيها، اكثر استغراقا، لأنها جلسة في حضرة السلام.. وفي مثل هذه الحضرة، لا من خوف.. بل هي الانفاس في تمام سكينتها، طالعة ونازلة، تسبح بحمد الذي يمسك بها، طلوعا ونزولا.. لا تقم إذن من بعد صلاتك. اجلس القرفصاء، ومارس التأمل، في بديعة من بديع السموات والارض. ركز ما استطعت، حتى تصير هذه البديعة، في دماغك هى الكون كله! أنت بهذه الطريقة، لا تحافظ فقط على حيوية دماغك في الشيخوخة، وإنما تتقرّب إلى الله زلفا، في ذات الوقت، وهذا هو الأهم. إنني أتأمل، لا تعني أنني موجود بالفعل، وإنما تعني أنني أكتسب القدرة على استرجاع المعلومات، وقد وهن مني العضل والعصب، وأنا أتوكأ في الطريق الذي الذي سيقودني حتما إلى ألا أتذكر من بعد علم، علما!