{ عندما يطلق العقيد “الطيب عبد الكريم” والي شرق دارفور تحذيراً من تجدد النزاع الدامي بين (المعاليا) و(الرزيقات) وهما أكبر مكون قبلي في ولايته، فإن تحذيره هو رسالة مباشرة إلى الحكومة الاتحادية، وخطوة استباقية لتبرئة ذمته مما سيحدث في (قادم) الأيام إذا لم تتدخل السلطة الأعلى من سلطة الضعين للحيلولة دون وقوع الواقعة التي لا تعني إلا شيئاً واحداً، فشل الحكومة الولائية بالدرجة الثانية والحكومة المركزية بالدرجة الأولى.. كيف لا وكلا القبيلتين لهما ممثلون في السلطة المركزية؟؟
العقيد “الطيب عبد الكريم” الذي أطلق التحذير من تبعات تحشدات (الرزيقات) و(المعاليا) كان حاضراً في مؤتمر (مروي) الذي فشل في الوصول إلى حل قضية متجددة منذ ستينيات القرن الماضي.. ومؤتمرات الصلح التي عقدت من قبل كانت مجتمعية يحتضنها المجتمع وتتحمل نفقاتها القبائل وبصفة خاصة قبيلة (المسيرية) التي رغم ما بينها و(الرزيقات) من دماء تسيل من حين لآخر، إلا أنها ظلت الأكثر حرصاً على إطفاء نيران الخلاف بين (الرزيقات) و(المعاليا).. لكن مؤتمر (مروي) الأخير تقهقر فيه دور المجتمع وأصبح مؤتمراً حكومياً محضاً يطوف على عرصات المؤتمرين وزير ديوان الحكم الاتحادي.. والمسؤولون عن الأمن في الشرطة وجهاز المخابرات.. والجيش، ويجلس راعي المؤتمر الفريق “بكري حسن صالح” لمدة (14) يوماً يراقب وينتظر حلاً يأتي به موظفون حكوميون ولجان أهلية غالب أعضائها من الناشطين سياسياً في صفوف الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة والأحزاب الحليفة الوليفة.
لقد انتهت الإدارة الأهلية وأضحت مسخاً مشوهاً ولا تستطيع اليوم إحصاء عدد أمراء القبائل، والعمد والمشايخ الذين ركبوا سرج السياسة وترجلوا عن سرج المجتمع العريض، وأصبحت المجالس النيابية في الولايات مثل المجلس الاستشاري لشمال السودان في عهد ما قبل الاستقلال، فكيف لا تتجدد النزاعات ويفشل قادة الإدارة الأهلية في كبح جماح الشباب الذي يقاتل بسلاح الحكومة.. ويرتدي ملابس جيش الحكومة.. ويدعي الولاء لحزب الحكومة، ولكنه لا يصغى لصوت “غندور” ولا من يمثل “غندور” في أرض الحدث!! وإلا لما جار السيد العقيد “الطيب عبد الكريم” بالشكوى وضرب (الكوراك) لحث الحكومة المركزية على التدخل والحيلولة دون وقوع الواقعة والتقاء الجمعين!!
{ عندما أعلنت الحكومة قيام الانتخابات الأخيرة دفعت قوات الشرطة بـ(70) ألف شرطي لحماية العملية الانتخابية، وشهدت الساحة الخضراء استعراضاً للقوة وحديثاً للسياسيين عن قدرة الشرطة على حماية أي صندوق مهما كان موقعه، وقد نجحت الشرطة في تلك المهمة ومعها قوات الاستطلاع والدعم السريع!! واليوم تمتحن الدولة في ذمتها.. هل تستطيع حماية النفس التي كرمها الله؟؟ أم حماية صندوق محشو بالأوراق؟ وهل الرموز الانتخابية للأحزاب أهم من أرواح الآلاف من (الرزيقات) و(المعاليا) وهم يعلنون عن قيام حرب معلنة أصلاً!!
نشوب حرب قبلية هي تحدٍ سافر للقانون وللنظام العام.. وللسلطة، فمتى تستخدم السلطة والقوة للحيلولة دون هلاك آلاف الأنفس في حرب يمثل استمرارها وصمة عار في جبين الدولة والحكومة والمجتمع؟؟ واستغاثة العقيد “الطيب” كانت داوية وصريحة وجارحة جداً.. وننتظر ردة فعل الحكومة اليوم وغداً.