نحن نستهين جداً بأنفسنا.. في الستينيات والسبعينيات كانت واحدة من صادرات السودان الملفتة للنظر هي (لاعبو كرة القدم).. كان السودان يصدر فائضاً من لاعبيه إلى دول مثل مصر ودول الخليج.. الآن لفت نظري أن السودان يصدر التعليم العالي.
في عدد كبير من الجامعات الخاصة السودانية أعداد متزايدة من الطلاب الأجانب قادمون من مختلف الدول الأفريقية والعربية وحتى الأوربية.. يطلبون العلم في السودان والأرقام تتزايد كل عام بصورة ملفتة للنظر ومثيرة للدهشة.. رغم أن السودان في المقابل يشكو من هجرة كوادره خاصةً من أساتذة الجامعات إلى الخارج.
هذه الجامعات السودانية الخاصة لا تنفق الحكومة فيها قرشاً واحداً.. بل ربما تستحلب منها رحيق ما تجنيه، ومع ذلك استطاعت هذه الجامعات أن تستقطب هؤلاء الطلاب الأجانب ومن دول أغنى منا كثيراً مثل نيجيريا الدولة النفطية البارزة.. فما الذي يمنع أن يتحول السودان إلى أحد هم الدول المصدرة للتعليم باستيراد الطلاب الأجانب.
رأس المال الوطني المستثمر في التعليم ينفق بسخاء على بنيات التعليم الجامعي لا أريد أن اختصر الأمثلة لكني أشير إلى بعض المؤسسات التعليمية الخاصة على سبيل المثال لا الحصر، مثلاً جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا.. والجامعة الوطنية.. وجامعة الرازي وجامعة المستقبل وجامعة التقانة واخترتها لأني زرتها ورأيت حجم الاستثمار الذي يضخ بسخاء فيها رغم أنف القيود والكوابح الرسمية التي تنظر إلى مؤسسات التعليم الخاص (بعين السخط التي تبدي المساويا).
مؤسسات التعليم الخاص في السودان بكل يقين، يمكن أن تساهم في حل مشكلة التعليم وترقيته إلى آفاق كبيرة دون أن يكلف ذلك الدولة قرشاً واحداً، فالمجتمع السوداني يدعم هذه المؤسسات بسخاء من حُر مال فقره المدقع.. وأثبتت أنها استثمار ناجح بالمقاييس الاقتصادية.. ولو توفرت لها التسهيلات التشريعية التي تيسر رسالتها وعملها فإنها في زمن وجيز ستجعل (سياحة التعليم) واحداً من أهم موارد الدولة السودانية.
حسب علمي؛ تشريعات التعليم العالي تمنع الجامعات السودانية من تخطي نسبة الـ5% في قبول الطلاب الأجانب.. لماذا؟! ما هي المشكلة لو تحولت جامعة سودانية بأكملها لقبول الطلاب الأجانب بنسبة 100%.. طالما أن هؤلاء الطلاب الأجانب يدفعون الرسوم بالعُملة الصعبة.. وماهي المشكلة أن تكسب هذه الجامعات فتتمدد أكثر وتتطور وتتسع بزيادة مواردها.
نظرة الدولة للتعليم الخاص فيها قصر نظر.. وأحاول أن اتجنب كلمة (حسد).. لو توفرت للجامعات السودانية موارد بالعُملة الأجنبية فإنها ستدفع للكوادر التعليمية تماماً مثلما يجدونه في الخارج (فنمير أهلنا ونزداد كيل بعير) بل ربما تصبح الهجرة إلى الخارج نفسها مورداً آخر للسودان دون أن يتسبب في نزيف داخلي لقدرتنا على تعويض الهجرة بمزيد من الكوادر الجديدة.
أطلقوا سراح الجامعات الخاصة ليصبح التعليم أحد موارد الدولة الرئيسية.