انتهز إبراهيم فرصة خروج حاج عبد الغفار لأداء صلاة الفجر ..دخل من ذات الباب الذي خرج منه الحاج العابد..لم يكن الغريب يدرك جغرافية البيت على نحو كبير ..كل ما يعرفه أن الشيخ الستيني ينام وحيداً في الطابق الأرضي ..بينما بقية أفراد الأسرة يستمتعون بالسكن بالطابق العلوي ..عليه أن يسرق كل ما خف وزنه..ثم ينتظر الحاج من وراء الباب ليسدد له طعنات قاتلة..ستنتهي التحريات ببلاغ ضد مجهول .
ولج إبراهيم إلى غرفة الحاج..وجد مصحفاً وسجادة مفروشة على الأرض ..وقعت عيناه على خزنة صغيرة تختفي وراء ستارة لونها باهت..حينما رفع المخدة وجد هاتف الحاج ومجموعة من المفاتيح تجمع بينها (دلاية) مفاتيح مكتوب عليها اسم الجلالة.. خطف إبراهيم الهاتف ثم بدأ ينقل بصره ما بين الخزنة وحزمة المفاتيح التي بيده ..ضميره كان يهتف : لم تدخل إلى الدار سارقاً..جئت لتثأر لعرضك وشرفك..عقله يرد بسرعة الذي جعل زوجته نعمة تفضل عليه هذا الشيخ الذي اقترب من الموت ليس سوى المال.
حينما اشتد الصراع جلس إبراهيم على السجادة المفروشة ..نظر إلى الحائط حيث توجد صورة للحاج مع زوجته المرحومة ..صورة أخرى للحاج في ملابس الإحرام ..رجل بهذه المواصفات لماذا يخونه مع زوجته..أغلب الظن أن زوجته طلبت الطلاق لتتزوج من هذا الرجل..ربما يكون زواجاً في السر..أخيرًا انتصر ضميره رد المفاتيح إلى مخبئها العلني وعاد للسجادة.
بدأ إبراهيم يتذكر كيف ابتهج بزواجه من نعمة..كان دائماً يحلم بفتاة جميلة لونها أصفر وعيناها واسعتان وشعرها مسدل إلى خصرها..كان يتمناها ممتلئة العود..مهنته كسائق عربة أجرة لم توفر له هذا الخيار..كان وسيمًا يميزه شارب يتمدد ليغطي شفته العليا ويحاصر الدنيا..حتى عربة الأمجاد لم تكن ملكه..ليحقق حلمه ذهب إلى بادية كردفان حسب وصية أحد أصدقائه..منذ أن رأى نعمة تعلق قلبه بها..تزوجها وجاء بها إلى غرفة جالوص بحي دار السلام بغرب أم درمان ..مضت الحياة تحفها السعادة ..يضرب إبراهيم سحابة نهاره ونصف الليل ليعود بكيس تتزاحم فيه الفواكه مع قليل من اللحمة وبعض الخضار .
بدأت المشكلة حينما تعرفت نعمة على سوق ليبيا المجاور..اكتشفت أنها سيدة جميلة ومرغوبة ..جارتها نهلة الحلبية كانت تحرضها على التمرد..حذرتها من أن تقع في ذات الفخ الذي وقعت فيه من قبل..الصبر على رجل مفلس حتى يضيع ربيع العمر ..حينما وصل إبراهيم إلى هذه النقطة بدأ الغضب يتصاعد..مرت عشرون دقيقة ولم يعد الحاج إلى داره..قفزت إلى رأسه فكرة غريبة ربما الحاج يجلس الآن في ذات غرفة نومه في دار السلام.
خرج إبراهيم من الغرفة يستطلع أمر الرجل الغائب..قبل أن يصل الباب كانت سيدة تصرخ من الطابق العلوي “حرامي”..”حرامي” ..”حرامي ” ..أطلق إبراهيم ساقيه للريح اكتشف أنه ليس رجلاً شجاعاً..صوت سيدة جعله مرعوباً مثل فار وجد أمامه قطاً ..حينما وصل إلى الشارع الرئيسي أخذ نفساً عميقا ثم جلس على مقعد حديدي في مظلة بائسة.
كل ما خرج به من المحاولة هاتف أنيق ..بدأ يعبث في الهاتف لعله يجد دليلاً إضافياً على خيانة زوجته..في صندوق الرسائل وجد عدداً من الرسائل..كلها تبدأ بابنتي نعمة..كان الحاج يرجوها أن تحافظ على بيتها رغم شظف العيش ..مع كل رسالة تحويل رصيد كانت هناك موعظة حسنة..انحدرت دموع من وجه الرجل القاتل..شعر بالخجل..رغم المخاطر عاد إبراهيم إلى المنزل..كانت الشمس قد أشرقت ..ولج من ذات الباب ووجد الحاج على السجادة يتلو بعض الآيات .