أبدأ بخبر غريب أن نائب سفير دولة الجنوب في السودان احتج بأن السلطات لم تسمح له بزيارة معسكرات إيواء اللاجئين الجنوبيين في الخرطوم بالرغم من أن أحد أفراد طاقم السفارة السودانية بجوبا لا يزال معتقلا لدى الإستخبارات العسكرية في دولة الجنوب،ولم تفلح مساعي الخارجية السودانية في إطلاق سراحه حتى الآن!.
في الوقت الذي صرح فيه الرئيس البشير بأن القبائل السودانية التي كانت تقيم في دولة الجنوب ومن بينها النزه والصبحة والسليم قد أسيئت معاملتها وطرد أفرادها وعادوا إلى موطنهم السودان فإن ولاية النيل الأبيض تشهد هجرة كثيفة ومتواصلة من أبناء الجنوب الذين ينزح كثير منهم بعد ذلك إلى الخرطوم التي بلغ عدد المقيمين فيها من الجنوبيين المسجلين رسمياً أكثر من مائة وعشرين ألفاً وما خفي أعظم وأجل.
معلوم أن حركة العدل والمساواة التي تلقت هزيمة ماحقة ساحقة خلال الأيام القليلة الماضية على يد القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع دخلت من الأراضي الجنوبية حيث شُونت وزُودت بالسلاح وبأعداد كبيرة من عربات الدفع الرباعي.
جنوب السودان الذي يتضور جوعاً وتقيم أعداد كبيرة من مواطنيه في السودان هو الذي يشن الحرب علينا من قديم.. الجبهة الثورية في جنوب كردفان تُزود كذلك بالسلاح وتُدرب في جنوب السودان ثم تنطلق بالأذى لتفتك بمواطني الولاية، فهل بربكم يحدث ذلك في أي مكان في العالم وهل يسمح لمواطني دولة تشن الحرب على جارتها بأن يفروا بالآلاف إلى الدولة الجارة طلباً للعيش الكريم والأمان والاستقرار؟!.
بلاد لا تخفي عداءها للسودان وتنطلق منها الحركات المتمردة التي تعلن عن رغبتها في إسقاط النظام الحاكم بالقوة وفي إعادة هيكلة الدولة السودانية وتهرب الأسلحة إلى الخرطوم بالتعاون مع جهات أجنبية من بينها دولة الجنوب ويوغندا المعادية وغيرها، ورغم ذلك نتعامل معها بحسن نية وطيبة و(دروشة) رغم كل ما نعلمه من مخططات وخلايا نائمة ومزروعة تنتظر ساعة الصفر لإحداث الفوضى التي رأينا بعض تجلياتها فيما تفعله الجبهة الثورية من خلال طلابها في جامعات العاصمة وغيرها ومن خلال القوى السياسية الشيطانية المتحالفة معها.
أعجب من الحملات التي تقوم بها بعض الأحزاب المعارضة تحت شعار حماية طلاب دارفور لتأليب الدارفوريين جميعاً وإيهامهم بأنهم مستهدفون.. أي شيطان يسوق خطى هؤلاء العابثين بأمن بلادنا والساعين لتمزيق نسيجها من خلال إحداث فرز اجتماعي وفتنة طائفية وجهوية لن تدفع ثمنها الحكومة وحزبها الحاكم لوحده إنما سيدفع ثمنها الوطن برمته؟!.
إن بلادنا تحتاج إلى رتق نسيجها الاجتماعي حتى تتحصن من الفتن والحروب التي تضرب دولاً من حولنا لكن أن ينشط بعض شياطين الإنس في تمزيقها وإشعال الحرب بين مكوناتها الاجتماعية والإثنية والقبلية فإن ذلك لعب بالنار ينبغي أن يُحارَب بالقانون.
نجح بعض شياطين الإنس في تمزيق نسيج دارفور من خلال بث الفرقة ونشر ثقافة الكراهية وعبارات (العرب والزرقة) ولكن من أسهموا في تمزيق دارفور يسعون لتكرار ذات السيناريو في الخرطوم وفي بقية ولايات السودان.
نفس هؤلاء الأشرار نشروا عبارة (المركز والهامش) وأوهموا كثيراً من البسطاء بأن هناك مركزاً يستحوذ على كل شيء، بينما هناك ريف يتضور جوعاً وفقراً، وبدلاً من توسيع معنى الريف ليشمل كل الأطراف السودانية حصروه في مناطق معينة لإضرام نيران العنصرية والجهوية في نفوس أولئك البسطاء، وما أن خرجت دراسة عبد الرحيم حمدي التي ما كان يريد بها إلا تصوراً محدوداً لحملة انتخابية حتى تلقفها (متلقو الحجج) من الأشرار، المغرمين بنظرية الصراع (الطبقي) التي زرعها شيطان الإنس كارل ماركس، وجعلوا منها وثيقة تاريخية تكرّس لواقع اجتماعي أرادوا أن يرسخوه بالباطل ونسجوا حولها كثيراً من القصص والدراما.
قبلها نشر الأشرار دراسة سموها بالكتاب الأسود.. نعم الكتاب الأسود (عديل كده) حاولوا من خلاله دس السم في جسد السودان والذي بدأ انتشاره قبل ذلك بل منذ فترة ليس أول العهد بها صدور كتاب (الرق في السودان) الذي كتبه الشيوعيان عشاري أحمد محمود وسليمان بلدو والذي دبر إصداره الخواجات ثم كافأوا كاتبيه بحصاد وفير من المناصب الأممية الرفيعة، وانطلت الخدعة على كثير من النخب التي أغراها التطواف في الفنادق الأوروبية التي كانت المنظمات الغربية توفرها لعاشقي ذلك النمط من الحياة المترفة التي ترعاها الاستخبارات من وراء حجاب تلك المنظمات.
إن بلادنا تتقلب في برميل من البارود فهلاّ التفت العقلاء إلى ما يُضمَر لها وما يُدبر قبل فوات الأوان؟.
حمى الله بلادنا من أشرار الداخل والخارج الذين لن يقر لهم قرار ما لم يروا النيران تشتعل في ثوبها حرباً أهلية لا تبقي ولا تذر.