كِدتُ (أتثقف) قليلاً وأبتدر زاويتي هذه بعبارة من قبيل (مدخل أول)، لكن فرائصي ارتعدت وتصبب عرقي فـ (جليت الفكرة)، خاصة وأنها الأمر هنا متعلق بالولاة ومعلق على رقابهم (الغليظة). فجُل هؤلاء الرجال مكثوا على عروش الولايات حتى تمكنوا من مقدراتها ثم عاثوا فيها و(عاسوا).
تأبطوا كل شيء هناك، ويا ليتهم تأبطوا (خيراً)، أو حتى (شراً)، لكنا احتفينا بهم كاحتفائنا بصعلوك العرب (ثابت بن جابر الفهمي) الشهير بـ (تأبط شراً)، بيد أنه كان كريماً شجاعاً وذا نجدة وسنان، حتى أن العميد (طه حسين) صنَّف بعض شعره كأفضل أشعار العرب ومنها نهدي هؤلاء الولاة الذين نتمنى أن يُطاح بهم الساعة قبل التالية، وأن يؤتى بغيرهم وإن كان ذلك من باب تغيير هذه الوجوه التي (مللناهم) وأيم الله.
لا أعرف كيف بقي هؤلاء كل هذا الوقت يهرجلون في البلاد ويهرجون في العباد، وكأن هذه الأقاليم ملك يمينهم، وليسوا موظفين فيها يدفع هذا الشعب (العجيب) من جيبه (السحري) رواتبهم ومخصصاتهم، لكنهم لا يترددون في نفخ أشداقهم فيه كلما قال (اين حقوقي)!
من يتأبطون الولايات الآن، ويفكرون في المكوث فيها أكثر من ذلك، عليهم أن يتوقفوا فوراً. تكفيهم (عواسة السنين وصواطتها). وبدلاً من أن يُعاد هؤلاء، نفضل أن تظل الولايات طليقة الرأس، حليقة الشعر، بدون والٍ، يديرها موظفون مقتدرون (ضباط إداريون) مع (رئيس بلدية) ومجلس استشاري، (وما في حاجة اسمها وزراء ولائيين) نقلل بذلك الإنفاق والمخصصات، ونستعيد الكفاءات الإدارية والخدمة المدنية (ونرتاح ذاتو من الجماعة ديل ياخي)!
نرتاح منهم، حتى نستطيع قراءة تأبط شراً بمزاج، خاصة قصيدة الرائعة التي لن نفسرها لهم عشية وداعهم أبداً، قال الرجل الصعلوك: “سَبَّاقِ غَايَاتِ مَجْدٍ في عَشِيرَتِهِ/ مُرجِّع الصَّوتِ هدّاً بينَ أرفاقِ/ عَارِي الظَّنَابِيبِ مُمْتدٍّ نَوَاشِرُهُ/ مِدْلاَجِ أَدْهَمَ وَاهِي الْمَاءِ غَسَّاقِ/ حَمَّالِ أَلْوِيَة ٍ شَهَّادِ أَنْدِيَةٍ/ قوَّالِ مُحكمة ٍ جوَّابِ آفاقِ / فذاك همِّي وغزوي أستغيثُ بهِ/ ذَا اسْتَغَثتَ بِضَافِي الرَّأْسِ نَغَّاقِ/ كَالْحِقْفِ حَدَّأَهُ النَّامُونَ قلتُ لَهُ/ ذُو ثَلَّتَيْنِ وَذُو بَهْمٍ وَأَرْبَاقِ/ وقلَّة كسنان الرُّمح بارزةٍ/ ضَحْيَانَة ٍ فِي شُهُورِ الصَّيْفِ مِحْرَاقِ/ بادرتُ قنَّتها صحبي وما كسِلوا/ حَتَّى نَمَيْتُ إلَيْهَا بَعْدَ إشْرَاقِ/ لا شيء في ريدها إلاَّ نعَامتُها/ مِنْهَا هَزِيمٌ وَمِنْهَا قَائِمٌ بَاقِ”..
ويا ريتها صعلكة ولاتنا قبل انتهاء ولاياتهم وبعدها.