ترى ما هي الأحاديث الرثائية التي ستصدر من خطباء الجمعة اليوم في آلاف مساجد أنصار السُنة المحمدية؟!.
بل كيف ستكون اليوم خطبة الجمعة في مسجد شيخ أبو زيد بأم درمان الثورة الحارة الأولى، وفي مسجد أنصار السُنة بالمركز العام بالسجانة؟!.
وهل ستأتي أحاديث حزن عليه من خطباء منابر في غير مساجد الجماعة؟!.
والحديث طبعاً عند آلاف الخطباء في آلاف المساجد الدعوية التابعة لأنصار السُنة حول رحيل الشيخ أبو زيد لا بد أنه سيكون ذا بعد تاريخي في اتجاه العمل الدعوي في السودان لتأهيل المجتمع لتفريخ سياسيين يقودوه وفق أحكام الإسلام التي تبدأ بفريضة العلم والتعليم وتنتهي بصلاة الجنازة. والعلم والتعليم هو ما ترجمه إلى تجارب علمية ناجحة أمثال الرازي وابن سينا وابن الفارض وغيرهم.. فكل العلوم التي قامت عليها الثورة الصناعية في أوربا كان قد وضع نواتها هؤلاء العلماء المسلمون.
ولولا الحضارة الإسلامية لكنا اليوم مثل أولئك الشعوب الإفريقية في جنوب السودان ورواندا وغيرها تعيش حالات التخلف في أعلى درجاتها.
فتلك الشعوب فوق الثروات المتنوعة في أحشاء أراضيها تتحارب وتتقاتل بالدوافع العنصرية القبلية. لكن إذا قال قائل بأن حتى بعض القبائل المسلمة تتقاتل الآن، فإن الرد على هذا القول هو أن دعوة الشيخ أبو زيد أصلاً جاءت لاستئناف الحياة الإسلامية التي أعقبت العصر الجاهلي لمحاربة القيم العنصرية التي أصبحت سيدة الموقف في بعض المجتمعات الإسلامية بسبب الابتعاد وأيضاً الإبعاد عن منهاج النبوة.
منهاج سيدنا محمد صلى اللَّه عليه وسلم.
والإسلام يبقى خاتم الحضارات ونهاية التاريخ ولا فلسفة تعلو عليه ولا حضارة بعده ولو بعد مليارات السنين.
ولكن إذا تذكرنا هنا أن الشيخ أبو زيد ينحدر من إثنية النوبة بشمال السودان أي أن أجداده منذ آلاف السنين بنوا الحضارة النوبية، فإن هذه الحضارة فيها الكثير الذي وافق الإسلام.
مثل احتشام النساء.. والنساء النوبيات قبل الإسلام وبعده يرتدين «الجرجار».. وإذا كان الناس يعرفون بأنه الجرجار النوبي فإن شيخ أبو زيد قد ذكر في حوار أجرته معه «الإنتباهة» قبل أكثر من أربعة أعوام وأعادت نشره أمس الأول وأمس أن النساء في وادي حلفا قد سمين جرجار حلفا «الجرجار النوبي» سمينه «جرجار أبو زيد». ولا تنسى إكرام النوبيين للضيف والرسول صلى اللَّه عليه وسلم يقول: (من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه).
والإسلام أول مرة حينما دخل السودان في عهد سيدنا عثمان بن عفان بإشراف والي مصر سيدنا عبد اللَّه بن أبي السرح استقبل الحملة الدعوية النوبيون بعد أن هدأت المعركة التي كانت بسبب سوء الفهم.
فتلك المعركة قد سبقتها معارك بين النوبيين وقدامى المصريين قبل الإسلام.. كانت رهيبة.
وقد ظن النوبيون أجداد شيخ أبو زيد أن جيش والي مصر عبد اللَّه بن أبي السرح يقوم بعمل حربي كامتداد لحروب قدامى المصريين وهم ليسوا عرباً طبعاً. لكن بعد اتفاقية «البقط» فإن العرب والنوبة أصبحوا قبيلة إسلامية واحدة تتفق على أن اللَّه قد خلق الجن والإنس ليعبدونه وهو متكفل برزقهم ومقدر لآجالهم وسنين أعمارهم.
وجاء «شيخ أبو زيد» أحد حفدة أولئك الأجداد الذين بنوا مع رجال الفتح الإسلامي أول مسجد في السودان كان في الولاية الشمالية في دنقلا العجوز.. جاء شيخ أبو زيد داعياً إلى اللَّه من طراز فريد ليعيد أمجاد الحضارة النوبية الأخرى «الحضارة النوبية الإسلامية».. ورحل شيخ أبو زيد لتنتقل راية الدعوة إلى الدكتور إسماعيل عثمان والدكتور عبد الكريم محمد عبد الكريم والدكتور محمد الأمين إسماعيل وغيرهم كثر.
وبهذه المناسبة نريد أن تكون دنقلا العجوز عاصمة للولاية الشمالية حتى نهزم مؤامرة المتآمرين حينما جعلوا الأخرى بدلاً منها بقصد طمس التاريخ الإسلامي في السودان الذي بدأ من دنقلا العجوز.
ورحم اللَّه شيخ أبو زيد.
غداً نلتقي بإذن اللَّه