شعرت بشيء من الارتياح بعد مطالعتي لخبر انقطاع الإمداد الكهربائي في معظم مدن السودان مساء يوم الاثنين.. ومصدر الارتياح هو حسن الظن فينا وفي بلادنا من بعض المواقع العربية ووكالات الأنباء العالمية وهي تنقل الخبر وكأنه شيء غريب جداً على السودان والسودانيين..!
وكالة أنباء (شينخوا) الصينية نقلت الخبر بإحساس متفاعل ومعبأ بالشجون والإشفاق على السودان وكأنها تريد أن تقول للعالم تحركوا الآن لإنقاذ السودانيين من الظلام المفاجئ والغريب الذي حدث لهم وأحدث شللا تاماً في بلادهم والذي قد تترتب عليه كوارث اقتصادية واجتماعية وربما سياسية أيضاً..!!
الشيء الإيجابي في الأمر أننا في الآونة الأخيرة نلنا حقنا عليهم في الاهتمام بأحداثنا وحوادثنا وبلاوينا التي كانت في السابق حبيسة (الحيطان) المحلية والحدود الداخلية..
هم لا يعرفون أننا تربينا ونشأنا وترعرعنا على ثقافة (القطع) وليس الإمداد.. تربينا على قطوعات الكهرباء والماء لكنهم لا يعرفون ذلك ولم يستمعوا إلى أنشودة الكهرباء الخالدة التي كنا نرددها صغاراً أيام نميري بانسجام ساخر مع لحن نشيد تعظيمه وتبجيله الشهير (خطوة عزيزة يا جعفر على الأعداء الله أكبر)
فنردد على نسقها أنشودة منلوجية ساخرة (الكهربا جات أملو الباقات في التلاجات هسه بتقطع)..
ليس هناك شيء جديد أو غريب في حدث انقطاع الكهرباء مساء الاثنين إلا أصداء ذلك الحدث وأخباره المتداولة على نطاق واسع في وسائل التواصل ومواقع الأخبار، الحدث لم يكن مزعجاً بالصورة المتخيلة له بل بالعكس ففي ثقافتنا الاجتماعية (الكهروتفاعلية) انقطاع الكهرباء عن حي واحد أو منطقة محددة، أسوأ من انقطاعها بشكل عام.. وكنا حين تقطع الكهرباء ونحن صغار يرسلنا أباؤنا (ياود أطلع الشارع شوف القطع عام وللا في حتتنا بس) فيزداد التفاؤل بالقطع العام أكثر من القطع المحدود لأن القطع العام قصير الأجل بينما القطع المحدود طويل الأجل يجعل الحي تحت رحمة (ناس الكهربا) جو وللا ما جو..
لكن كل هذا لا ينفي وجود مشكلة حقيقية وخلل استراتيجي كشف عنه حدث الاثنين بأن من يريد أن يعبث بأمن البلاد ببساطة سيستهدف في أولى خطواته ذلك الخط الرئيس الناقل للكهرباء من سد مروي والذي أكدت التجربة أنه (يطفي البلد كلها) ثم بعد ذلك يفعل العابث هذا ما يريد فعله.. وحينها قد لا يعرف أحد (الطفا النور منو) كما يقولون..
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.