مع مرور كل يوم أزداد تيقنا أن خوفي من ركوب الطائرات له ما يبرره، وأن ما يقوم به طاقم الضيافة لتعليم الركاب كيفية لبس طوق النجاة وكمامات الأوكسجين، كلام فارغ لا يقدم ولكن قد يؤخر، ودعني ودعك من مخاطر الركوب في صندوق طائر، والتي تفاقمت بعد أن بات الصندوق تحت تصرف طيار آلي هو الكمبيوتر! أليس منتهى العبث والاستهتار بالأرواح أن نوكل أمر قيادة طائرة إلى كمبيوتر؟ ونحن في العالم العربي بالذات نعرف مدى عبث الكمبيوتر عندما يصدر فواتير الهواتف والكهرباء بمزاجه، وهل نسينا ما فعله الكمبيوتر بعادل إمام حين قطع عنه الخدمة الهاتفية وقرر سحب العدة منه على الرغم من أنه لم يكن يملك تلفوناً؟
ثم جاء حادث طائرة جيرمان وينغز، التابعة لشركة لوفتهانزا العملاقة للطيران، والتي كانت في أواخر شهر مارس المنصرم، في رحلة من برشلونة في إسبانيا إلى دسلدورف في ألمانيا، عندما خرج القبطان من قمرة القيادة، وعندما حاول العودة إليها اكتشف أن مساعده الشاب أغلق الباب: افتح يا ابن الحلال، أنا طلعت من الحمام، ولكن مساعد الطيار طنش رجاء قائده، ثم اندفع بالطائرة إلى أسفل وكان ما كان من ارتطامها بالجانب الفرنسي من جبال الألب وهلاك 150 شخصا، وبعد وقوع الفأس في الرأس قالت الشركة: هو قال لنا إنه عنده ميول انتحارية، وحسبنا أنه شفي منها، وكأن الاضطرابات النفسية نوبة «برد» وتعدي
إيما كريستوفر سن شابة بريطانية في الثامنة والعشرين، وصلت على متن طائرة إلى مطار هيثرو بلندن ثم أسلمت الروح، واتضح أنها بسبب ضيق الحيز المخصص لمد الساقين في الطائرة ومن طول الانحشار في المقعد أصيبت بتجلط الدم في الساقين ثم زحفت الجلطة إلى أعلى فكانت القاضية، وكعادتها فإن الصحافة البريطانية نبشت في أمر سلامة السفر جواً واكتشفت أن الحيز المخصص للبشر في الطائرات أضيق بكثير من الحيز المخصص للحيوانات، فعند نقل الكلاب جواً يشترط أن يكون الصندوق الذي توضع فيه ضعف حجمها بحيث يتسنى لها أن تتحرك وأن تدور حول نفسها بما يضمن انسياب الدورة الدموية، أما الحصان فإنه يمنع تحميله على الطائرة إلا قبل نصف ساعة فقط من الإقلاع، بينما كل ما يخص راحة المسافر الآدمي هو أن تكون المسافة من مسند الظهر إلى المقعد الأمامي لا تقل عن 26 بوصة (في الرحلات الجوية الطويلة يستحسن تناول حبة أسبرين أو شوكولاته سوداء، لضمان سيولة في الدم تمنع تجلط شريان الساق العميق DVT ولو استطعت أن تتمشى في ممر الطائرة زيادة تحوط أو قم بتحريك قدميك إلى الأمام والخلف بانتظام على فترات متقاربة).
ربما لهذا السبب تعمد شركات الطيران إلى توظيف الحسناوات كمضيفات على أمل أن يتسبب تحركهن داخل الطائرة في إنعاش قلوب الرجال، وإشعال الغيرة في صدور النساء فتضخ القلوب الدماء بكفاءة عالية، ولكن ذلك ليس مجدياً مع الجميع ففي ذات العام استضافت الخرطوم مؤتمر اتحاد المعلمين العرب، وفي ذات ليلة أكل نقابي عربي مناضل من الطعام ما يكفي ثلاثة جِمال، وفي الصباح الباكر أقلت طائرة شحن عسكرية الوفود إلى جوبا في جنوب السودان، وفي منتصف الطريق أصيب صاحبنا باضطرابات هضمية من النوع الذي يتطلب حرية التعبير، ولكن لم تكن بالطائرة دورة مياه فأجلسوا إلى جانبه مضيفة تشيكية حسناء تداعبه وتنسيه معاناته، ولكنه أعلن أن ذلك لا يجدي وظل يذرع كابينة الطائرة بالطول والعرض حتى انهارت أنظمته الدفاعية و«عملها» وأصبحت الطائرة مثل محطة تجميع حصيلة المجاري، وأصيب عدد من الركاب بنوبات ربو، وبعد أن وصلت الطائرة إلى جوبا أذاع زملاء صاحبنا سره فاضطر إلى العودة إلى الخرطوم بمفرده ومنها إلى بلاده حيث اعتزل العمل النقابي والتدريس!!..
jafabbas19@gmail.com