قد نلاحظ النشاط الزائد وفرط الحركة عند الأطفال خصوصاً مع طلاب المرحلة الابتدائية، فنلاحظ عدم استقرارهم في مكانٍ واحد، والجري هنا وهناك وكثرة الكلام وعدم الإصغاء الجيد لما يُقال ومقاطعة المتكلم والإجابة دون تفكير وكلها مؤشرات تؤكد أن هذا الطفل مزيج من الفوضى والنشاط الحركي الزائد، مما يزعج الوالدين في المنازل، وخصوصاً نحن مقدمون على إجازة الربيع هذه الأيام، فالمدارس سوف تغلق أبوابها إلى حين، فماذا نحن فاعلون معهم؟
فكون الطفل يكون مطيعاً دائماً وباستمرار، هذه في حد ذاتها قد تكون مشكلة سببها التحكم في تصرفات الأبناء، فيشعر الطفل بالسلبية ولا يقدم على فعل شيء إلا بعد الرجوع لوالديه، فتنعدم عندهم الاستقلالية والاعتماد على النفس، فالشخص المطيع دائماً قد يكون عرضة للضغوط والأزمات النفسية بسبب عدم قدرته على التنفيس والتعبير عن رأيه بالرفض أو بالقبول خاصة في القضايا التي تخصه بالدرجة الأولى، وهنا ليست المشكلة إن كان الطفل عنيدا، بل المشكلة إذا كان الطفل مطيعاً لا يعارض، فالكثيرون يشتكون من عناد الأطفال ، فكيف نقضي على هذه الظاهرة؟
في تقديري أن عناد الأطفال هو الوضع الطبيعي و الطفل العنيد هو الطفل السليم نفسياً ويحتاج إلى توجيه متزن وتعامل بوعي وإدراك، وقد يتحول الضعف إلى إعاقة نفسية مع الطفل الذي لا يتم تدريبه على مهارة الاعتماد على النفس والتعبير عن رأيه، حيث يكون عاجزاً على بناء علاقات ناجحة ، فلنترك الأطفال يتصرفون ونحن نراقبهم ونساعدهم حين يحسنون التصرف.
ولكن عندما نساعدهم في أمرٍ يستطيعون القيام به بمفردهم، فنحن نسلبهم الممارسة والتجربة، فيعتمدون علينا اعتماداً كبيراً، حيث نلاحظ البعض من أولياء الأمور يتحملون كامل المسؤولية عن أبنائهم حتّى في قضاياهم الخاصة مثل الدراسة، وحل الواجبات، والقيام للصلاة وغيرها، فالطفل هنا يمارس دوره بذكاء، فيسلم المسؤولية للوالدين وتموت الدوافع الداخلية عنده وينتظر الأوامر بشكل مباشر من الوالدين ولايشعر بألم الإخفاق، لأن هذه القضايا ليست من مسؤولياته بل هي من مسؤوليات الوالدين، هذا النوع من التربية تخرج لنا شخصاً معاقاً نفسياً غير ناضج وغير قادر على التعامل مع المتغيرات و التحديات في هذه الحياة ، ومن الملاحظ حتى الأم قد تحمل طفلها وهو يستطيع المشي بمفرده، وقد تساعده في الأكل وهو يستطيع أن يأكل بنفسه، فالحماية الزائدة قد تصنع لنا طفلاً ضعيفاً لا يستطيع التعامل مع معطيات الحياة، فالطفل تُصقل خبراته في مرحلة الطفولة فنجده يجرب ويحاول وأحياناً يتألم، وهذا الألم ينمي قدراته على التحمل ومواجهة المشاكل بحيث ينمو جسدياً وعقلياً و نفسياً بشكل متوازن، أما في حالة الحماية الزائدة فإنه ينمو جسدياً وعقلياً ولكنه لا ينمو نفسياً بشكل متزن وذلك بسبب حماية الوالدين من تعرضه لبعض التجارب بحجة أنه ضعيف لا يستطيع، أو صغير لا يحسن التصرف، وحقيقة الحياة أننا في يوم ما سوف نواجهها منفردين، حينها قد ينصدم الطفل بتجربة مؤلمة تفوق قدراته النفسية التي لم تكتمل بسبب الحماية الزائدة.
بينما في المقابل نجد التدليل الزائد يجعل الأطفال عاجزين عن معرفة قيمة الأشياء وعاجزين عن تحقيق الغايات ويزرع في داخلهم اتكالية على الآخرين في أبسط أمورهم، وهنا أشير على أن الوسطية والتوازن يفعلان مفعول السحر في تنشئة الأطفال.