من قبل أشهر تدور معركة بين وزارة الصحة الاتحادية وبنتها الكبرى في ولاية الخرطوم.. كسبت وزارة الصحة الخرطومية الجولة الأولى بتكوينها لمجلس ولائي يختص بوضع لوائح الصيدلة والسموم.. الوزارة الاتحادية عبر المجلس الاتحادي للصيدلة غضبت من هذا المسلك وقررت إلغاء التفويض الممنوح لإدارة الصيدلة بوزارة الصحة.. كل هذا وفق القانون.. ربما ستستغربون أن عرفتم أن جزءا كبيرا من أسباب الخلاف حول مائة متر.. القانون الاتحادي للصيدلة والسموم يحدد مسافة مائة متر لتفصل بين كل صيدليتين.. ولاية الخرطوم تريد أن تلغي حاجز المائة متر حتى تزيد المنافسة في تقديم الخدمة.
مسافة المائة متر هذه تضيق لتصبح دون ذلك في العلاقة بين المركز والولايات. حينما كان الولاة يتم انتخابهم مباشرة من الشعب لاحظت مسألة مهمة.. الوالي الذي يخوض الانتخابات باسم الحزب الحاكم ليس بالضرورة من حصل على أعلى الأصوات في الانتخابات التمهيدية.. (الطيش) ربما يكون هو المفضل للمركز.. حيث ترفع قائمة بعدد من الأسماء يختار المركز من يشاء ليخوض الانتخابات باسم الحزب الحاكم.
حتى هذه التجربة الرمزية وجدت من يضيق بها تحت دعاوى نبذ القبلية.. تمت مؤخرا الردة الدستورية وبات الولاة يتم تعيينهم من رئاسة الجمهورية بدلا عن انتخابهم مباشرة من شعب الولاية.. فوجئت وأنا أتحدث لرمز كبير في الحزب الحاكم أن أولئك الولاة المنتخبون (يومها) لم يكونوا يملكون حق اختيار وزراء حكومتهم.. (السوبر تنظيم) يجبر كل والي على حمل قائمة المرشحين ليتم تعميدهم عبر المركز.
حتى النواب في البرلمان يتدخل المركز في اختيارهم.. كليات شورية في الولايات ترفع عددا من الخيارات للمركز.. في الخرطوم هنا يتم تصحيح رغبات المواطنين.. ربما لهذا السبب تمرد الناس على قيادة المؤتمر الوطني وولج البرلمان الجديد نحو تسعة عشر نائبا مستقلا.. الآن هؤلاء المتمردون في البرلمان هم القوى الثالثة وربما في قراءة أخرى الثانية.
حتى على مستويات أخرى تبرز السيطرة الرأسية.. مدير الإمدادات الطبية التي تعتبر أكبر مورد للدواء قال في تصريح صحفي إن حدود صلاحياته تنتهي في تعيين (الفراشين) وأظنه قال العمال في ذلك التصريح.. رغم هذه القيود مطلوب من هذه المؤسسة أن تنجح في توفير الدواء.. ثم تربح بلغة السوق حتى لا يتم تجفيفها عبر إحالتها إلى لجنة التخلص من الفائض من مؤسسات القطاع العام.
في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بعض الولايات حينما يخلو منصب السناتور في مجلس الشيوخ يقوم الوالي باختيار من يكمل المدة المقررة.. المنطق عند الأمريكان أن الوالي يمتلك تفويضا من الناس باعتبارهم منتخبا.. هنا في بلادي ولأننا لا نفهم فلسفة الحكم الاتحادي تصبح الفكرة مجرد إهدار للمال العام عبر مشاريع توظيف وهمية.. يصبح الولاة عمدا بلا أطيان لدرجة أن لا يستطيع الوالي التصديق بصيدلية في شارع المك نمر.