لم يكن الأمير سعود الفيصل وزيراً لخارجية المملكة العربية السعودية فحسب، وإنّما اتخذ من الألقاب الديبلوماسية ما يتناسب مع مسيرته التي استمرت أربعة عقود من الزمان.
وهذه الأعوام التي قضاها في خدمة الديبلوماسية السعودية بعضويتها الفاعلة والمؤثرة في الكيانات الإقليمية والدولية، كانت من أشدّ العقود التي مرّت على التاريخ العربي الحديث، وأعقدها.
وكان موقف المملكة من هذه التفاعلات في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ذا أثر كبير.
اتخذ الديبلوماسي الأمير من الحنكة والحكمة والروية في تقدير القرارات أو الاعتراض على ما لا يراه مناسباً، منهجاً وبه استطاعت أن تبرز المملكة كدولة قائدة وسط اضطراب إقليمي وعالمي.
وتأتي أهمية الفترة التي شغلها الأمير سعود الفيصل في وزارة الخارجية لأنّه تشكّل فيها مفهوم العلاقات الدولية.
فقد تغيّر المفهوم من علاقات بين الدول فقط إلى علاقات بين كافة كيانات المجتمع الدولي.
وأصبح لهذه الكيانات تأثير فاعل ودخلت كيانات أخرى مثل المنظمات الحكومية وغير الحكومية كالشركات متعددة الجنسيات، لذا أصبح التفاعل بين هذه الوحدات على نطاق أوسع من التفاعل بين الدول، وأصبح لها تأثير أكبر بكثير من تأثير الدول على بعضها بعضا.
التحدي الآخر الذي شهدته الأربعون عاماً الماضية هو بروز تيار العولمة بعوامله المؤثرة على العلاقات الدولية.
ومن أهمها، العوامل الاقتصادية وهي قدرة الدولة على تقديم المساعدات المادية والمعنوية، وقد أثبتت المملكة ذلك من خلال المساعدات والمعونات والإغاثات المقدمة للدول المنكوبة بفعل الكوارث الطبيعية أو الكوارث السياسية والحروب وما أدت إليه من مآس.
وهذا انعكس بشكل ما على استدامة الاقتصاد القوي للمملكة، وهي مقدرتها وقابليتها على مدّ يد العون في حالات السلم والحرب.
بالإضافة إلى ذلك كان الانفتاح في مجال التبادل التجاري الذي ألقى بظلاله على العلاقات الدولية.
وبفضل تقلص المسافات واختصار الزمن، نشطت الحركة التجارية، وشهدت المملكة في تلك الفترة توقيع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات مما عمل على تعزيز العلاقات السياسية وساهمت الحركة التجارية في الإبقاء على المملكة كعضو فاعل في المجتمع الدولي.
هناك أيضاً العوامل الجيوسياسية، وقد يتبادر إلى الذهن أنّ الجغرافيا وتقسيم الدول على أساس الحدود المرسومة منذ قرون هو الذي يؤثر على السياسة، ولكن العكس هو الأكثر ميلاً إلى الواقعية.
فقد شهد عهد الفيصل تقسيمات سياسية وقيام تحالفات وانهيار أخرى، على مستوى العالم وعلى مستوى الوطن العربي.
وهذه التحالفات كانت فيما قبل تقوم على أساس الوجود الجغرافي بالنسبة لتكتلات الشرق الأوسط، أو الروابط الدينية والتاريخ المشترك.
ولكن في ظل نظام العولمة تجاوزت العلاقات الدولية الأساس الجغرافي للمصالح المشتركة، فكان سعي الفيصل في فترته هو ضخّ مزيد من الحيوية في شرايين كياني الجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، وقد كان بالإمكان أن يذهبا ضحايا للتحالفات الدولية الأوسع.
إنّ التغيير الذي حدث منذ ما بعد الحرب الباردة في مجال العلاقات الدولية، تأثّر بعناصر قوة الدولة، وشكّل هذا التحدي الجديد لدخول دولة ما في النظام العالمي الجديد بشكل فاعل.
وقد يختلف المقياس بين دولة وأخرى، ولكن استطاعت المملكة أن توازن بين هذه العناصر جميعها، فقد امتحنت في حرب الخليج ومؤخراً في عاصفة الحزم، في مدى استعدادها العسكري، ثم امتحنت في المقومات الاجتماعية والنفسية بمحاربة الإرهاب، ولهذين المثالين تأثيرات على العلاقات الدولية كانت ستأخذ منحى يضعف هذه القوة لولا الحنكة الديبلوماسية في إدارة العلاقات الدولية وموازنتها مع السياسة الداخلية.
لكل ذلك فإنّ ما كان يقوم به الأمير الفيصل، لم يكن دوراً لوزير خارجية فحسب، وإنّما مجموعة أدوار استوجبتها الأحداث والتغيرات الدولية والإقليمية في تلك الفترة.
ولذلك أيضاً فإنّه سيظل ومن موقعه الحالي كوزير دولة وعضو بمجلس الوزراء ومستشار ومبعوث خاص لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ومشرف على الشؤون الخارجية، عميداً للديبلوماسيين العرب وحادي ركبهم.