الدراما التي بلغت ذروتها هذه الأيام في تلفزيون المؤتمر الوطني يصعب تصنيفها، السيناريو والأبطال والفرجة في أبهى صورهم، المطلوب هو أن يعجن المخرج الذي يختبئ في مكان ما عيدان كنانته ويغمسها في نبيذ الانتخابات ويتخير منها الوزراء ونواب الرئيس والمستشارين الجُدد، ابنة من تلك الحكومة؟ نحيفة أم عريضة؟ ومن هو المخرج، ومن كاتب السيناريو؟، لا أحد يعلم بالضبط، وكل ما يمكن قوله إن ما يربو على الـ(40) حزباً ستشارك فيها، وإن السيد الحسن سيبقى في القصر الجمهوري بجانب البشير، بينما الأسماء التي كانت تدندن بحجمها وطبيعتها لم تعد موجودة، على ما كان الحال، حكومة شراكة وطنية، حكومة برنامج وطني، حكومة تكنوقراط، حكومة عريضة، جمهورية ثانية، جمهورية ثالثة! حتى الآن لم يتبن أيما أحد ذلك المولود المجهول والغامض، فقط حقنة طلق على جسد البلاد المتعرق، وصرخة شديدة في الظلام.
أول قطرة
يتصل أحد الصحافيين بوزيرة مركزية طالباً منها إجراء حوار صحفي، ورغم أنها تعشق الأضواء إلا أنها تمتنع تماما فهي، لا ترغب بالحديث قبل إعلان الحكومة الجديدة، يدير سماعة الهاتف صوب مسؤول آخر فيتهرب بذات الذريعة، حتى لا يتورط في تصريح يجر عليه غضب الكبار، فيجد نفسه خارج التشكيلة..
على مقربة من ذلك، ثمة مؤشرات حتى اللحظة، وللمفاجأة كانت سابقة لأداء الرئيس البشير القسم، ولكنها جاءت بين يدي إعلان فوزه في السباق الانتخابي، أولي قطرات الغيث هي تعيين بروفيسور هاشم محمد عباس أميناً عاماً لمجلس الصحافة والمطبوعات، القرار الجمهوري الثاني وفي غضون ساعات قليلة، هو تعيين حيدر حسين علي الإمام رئيسا لمفوضية الاختيار للخدمة المدنية القومية، هاشم ابن مدينة الحديد والنار في الرابعة والخمسين من عمره مما يعني أنه ينتمي للجيل الثالث من الإسلاميين، حيدر حسين أيضاً يدخل في الزمرة ولكنه أعمق تجربة وخبرة، بالطبع هنالك قررات جمهورية مرتقبة، سوف تشمل العديد من دواوين الخدمة والمؤسسات الأكاديمية والأجهزة الإعلامية، هي تغييرات سوف تسبق إعلان الحكومة.
موسى يلقي عصاه
أول من سيلقي عصاه على جانب القصر ويغادر ربما كان موسى محمد أحمد مساعد الرئيس الأشهر والأقدم، فبحسب نائب رئيس المؤتمر الوطني إبراهيم غندور من المستبعد إشراك المقاطعين للانتخابات في التوليفة الحكومية الجديدة، بما في ذلك حلفاؤهم في مؤتمر البجا، لكن غندور عاد وقال إن الأمر سابق لأوانه “وإن كل شيء وارد”، ذلك الحديث يشير بشكل واضح لأن مؤتمر البجا وهو من المقاطعين ـ على الأقل ـ سيكون خارج التشكيلة وبالضرورة موسى، ما لم يتراجع الوطني عن كلمته الأولى باحتضنان شركاء الانتخابات فقط، رئيس مؤتمر البجا الذي عانى من مشاكل داخلية في الجبهة الشرقاوية، عاش أجمل سنواته في القصر وبدا خلالها كما لو كان غير موجود على الإطلاق، مكتفيا بحضور الاحتفالات أو المهرجانات التي يلقي فيها السلام والتحايا.
كذلك الأصابع تشير إلى مغادرة وزيرة الدولة بالكهرباء تابيتا بطرس موقعها الوزاري، لضآلة حضورها في المشهد الانتخابي، تابيتا وحزبها لم يحصلا على مقاعد تؤهلها للمشاركة في الحكومة المقبلة، فهي قد خسرت دوائرها وتكشف وزنها الحقيقي، وبالتالي لم يعد أمامها سوى الانضمام للمؤتمر الوطني أو خلع لقب الوزيرة والاكتفاء بمهنة التمريض، من الذين سيغادرون أيضاً وقد تأكد خروجهم وزير الدولة بالإعلام ياسر يوسف، والذي احتفظ بموقعه لفترة طويلة رغم النقد الكثيف الذي ووجه به في الحزب والدولة، فهو كما بدا للكثيرين أضعف من أن توضع على ظهره كل تلك الحقائب والمهام، بينما يعج الحزب بالأسماء والخبرات، ياسر وكأنه يعلم أنه سيغادر موقعه ولذلك حجز مقعده البرلماني وحرص على الذهاب إلى القضارف للاطمئنان على دائرته، أثناء اشتداد حمى الانتخابات، وبينما كان الحزب في أشد الحاجة له في الخرطوم ليحث الناس على المشاركة في العملية كان الرجل مشغولاً بمقعده ولائذاً بالصمت، كذلك من المرجح أيضاً أن تجرف السيول أسماء وزراء مثل وزير الاستثمار، وزير الصناعة، وزيرة التربية والتعليم سعاد عبد الرازق التي قررت بشكل طوعي الاستقالة من منصبها، عقب فضيحة مدرسة (الريان)، سعاد كانت قد أرجأت خطوة الاستقالة إلى ما بعد امتحانات الشهادة السودانية ومنعا للآثار السالبة التي يمكن أن تقع على الطلاب.
عريضة المنكبين
اللافت في الأمر هو كثرة التصريحات بخصوص الحكومة هذه الأيام، بمعدل ثلاثة تصريحات في اليوم، غندور ونافع وممتاز وحسن النور، غندور قال إن تشكيل الحكومة سيكون وفقاً لأوزان المشاركين في الانتخابات، بينما نفى أمين التعبئة السياسية بالمؤتمر الوطني حسن النور اتخاذ قرار حول تشكيل الحكومة المقبلة، نافع قال إنها ستُشكَّل من المشاركين في الانتخابات، وكذلك مصطفى عثمان، كل التصريحات تصب في معنى واحد وهو أن المشاركة في الانتخابات مقابل الوزارة، نفس الحديث الذي ورد في لقاء ثنائي جمع المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي المسجل للتسامر حول الانتخابات، بدأت الصورة تتضح شيئاً فشيئاً، الدكتور أحمد بلال قال إن شراكتهم مع الوطني استراتيجية، فرد عليه مصطفى عثمان بما معناه (يا مرحا)، ذهب وزير الاستثمار خطوة إلى الأمام وقال إن الحكومة القادمة ستكون شاملة وليست حكومة مؤتمر وطني، مؤكداً أنها أكبر مشاركة في تاريخ السودان، وهذا يعني ضمناً أن المحاصصة تأتي على صيغة جديدة، وسيتم إشراك أصدقاء الأيام الخوالي في الجهاز التنفيذي على المستويين المركزي والولايات، ويعني أيضاً أن الحكومة الجديد شديدة الضخامة (عريضة المنكبين) نصفها في القصر الجمهوري القديم والنصف الآخر في القصر الجديد.
عزمي عبد الرازق
صحيفة اليوم التالي