قال : أنا حزين لأن الله لم يرزقني إلا البنات وأنا أتمني ولد ذكر حتي يحمل اسمي ، هذا ما قاله من جلس بقربي في الطائرة ، فقلت له : (مبروك عليك الجنة ، ومبروك عليك بأن تحشر مع النبي الكريم ، ومبروك عليك كذلك ببعدك عن النار) ، فنظر إلي مستغربا وهو متفاجأ مما ردة فعلي علي حزنه ، وقال : أنا أعبر لك عن حزني وأنت تعبر لي عن فرحك بأن الله حرمني من الذكور ورزقني البنات ؟
قلت له : قبل أن أجيبك علي سؤالك أقول لك مبروك كذلك عليك لأنك من (الصنف الأول) ، فقال : لابد أن تشرح لي هذه الألغاز التي تقولها ، قلت له : أما الصنف الأول فهي كلمة شيخنا (علي الطنطاوي) رحمه الله ، لأنه لم يرزق أولاد ذكور وإنما رزق بخمس بنات وكان كلما سئل : ما عندك من الأولاد ؟ كان يجيب أنا من الصنف الأول لأن الله تعالي قال (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور..) فقدم الله ذكر الإناث علي الذكور وهذا معني الصنف الأول
فابتسم وقال : والله أنك شجعتني بهذه الكلمة ، قلت له : وأشجعك أكثر عندما تعلم أنك مثل نبيين من الأنبياء لم يرزقا إلا بالإناث فهل تعرفهم ؟ فكر قليلا ثم قال : لا أعرف من تقصد ، قلت له : نبي الله لوط عليه السلام رزق بأربع بنات ، ونبينا محمد صلي الله عليه وسلم لم يرزق إلا بالبنات ، فقد توفي الذكور وهم صغار وبقي معه أربع بنات ، ولهذا لما ولد للإمام أحمد بن حنبل بنت قال (الأنبياء آباء البنات)
قال : لقد بثثت الأمل في نفسي ولكن لماذا باركت لي في بداية حديثنا وبشرتني بدخول الجنة وبعدي عن النار بسبب البنات ؟ قلت : إن دخولك للجنة وبعدك عن النار ومرافقة النبي الكريم يوم القيامة مرتبط بأربعة شروط لابد أن تحققها ببناتك ، قال : وما هي هذه الشروط ؟ قلت : (الأول أن تحسن إليهن والثاني أن تأويهن والثالث أن تكفيهن والرابع أن ترحمهن) ، قال : ومن أين أتيت بهذا الكلام وهذه الشروط ؟ قلت : من ثلاثة أحاديث نبوية مدح فيها النبي الكريم من رزق البنات ، قال : أذكرها لي
قلت : الحديث الأول ثوابه أن البنات من أسباب منع دخولك النار فقد قال رسول الله ((من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كُنّ له ستراً من النار)) ، والحديث الثاني يفيد أن البنات من أسباب أن تحشر مع النبي الكريم لقوله عليه السلام ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه)) ، والحديث الثالث أن البنات من أسباب وجوب دخول الجنة لقوله عليه السلام ((من كان له ثلاث بنات يُؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة، فقال رجل بعض القوم: وثنتين يا رسول الله، قال: وثنتين))
قال : أحاديث جميلة وتبث الأمل في النفس وأتمني لو أعلقها عندي بصالة المنزل حتي تسعد زوجتي كذلك بهذه البشارات ، لأنها هي حزينة كذلك مثلي ، ولكنك بهذه الكلمات جعلتني أحب بناتي أكثر ، فابتسمت له وقلت : لعل السر وراء بشارات النبي في البنات لأن البنت تحتاج لرعاية خاصة ، فهي تختلف عن الصبي بقوة عاطفتها ورقتها وحساسيتها وتحب أن تدلل وتدلع نفسها ، فتحتاج لصبر خاص ومعاملة خاصة ومزاج خاص حتي تشعر بأهميتها فتسكن نفسها ، وكذلك لأن العرب في الجاهلية كانوا لا يعطون للمرأة وزنا أو قيمة ويقولون (دفن البنات من المكرمات) ، ويستخدمونها كسلعة يتكسبون من ورائها ، فجاء الإسلام ورفع من قيمتها وجعل المفاضلة بينها وبين الذكر (بالتقوي لا بالجنس) ، ودعم رقيها ورفعة مكانتها حتي صارت السيدة عائشة رضي الله عنها من الفقهاء والعلماء السبعة في المدينة المنورة ، فالمرأة تسعد بتميزها الاجتماعي والعلمي أكثر من سعادتها بالعمل والمال ، فهي تحب أن تكون عالمة لا عاملة ، وهناك فرق كبير بين الإثنين وإن كانت الحروف واحدة ، وتشعر المرأة بالأمان عندما تركن لرجل يحميها ويدافع عنها ويقف بجانبها ، ولهذا هي تلتصق بأبيها دائما وكما قيل (كل فتاة بأبيها معجبة) ، فإذا خسرت أبيها أو توفي عنها شعرت بالنقص الكبير في حياتها وتتمني لو يعوضها زوجها ذلك النقص وإلا فإنها ستستمر في البحث عمن يسد نقصها
كما أن المرأة هي مصنع (الحب) وإشاعته ، ومجتمع أو بيت بلا حب يصبح ميتا ، فالمرأة هي المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يعطي حب من غير مقابل ، وهو ما يسمي (بالحب الأمومي) فلا تضع شرطا للحب ، وهذا الحب هو الذي يجعل الإنسان مستقرا ومعطاء ، فحب المرأة لا يساويه حب في العالم ولهذا قال عليه السلام (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة)
قال : هذه لفتة مهمة وجميلة ، قلت ولهذا لابد أن نهتم بالبنات اجتماعيا وتربويا وصحيا وشرعيا ورياضيا وترفيهيا ، لأنهم نبض المجتمع ولا نستغرب مدح النبي صلي الله عليه وسلم (للحب الأمومي) لنساء قريش عندما قال : (إن خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش : (أحناه علي ولد في صغره) (وأرعاه علي زوج في ذات يده) ، فميزة صالح نساء قريش (الحب والعطف والحنان) سواء علي الولد أو الزوج ، ووصلت الطائرة وانتهي الحديث مع أبوالبنات