> لم تكن العملية الفاشلة والخائبة لحركة العدل والمساواة التي انكسرت شوكتها في جنوب دارفور، عملية عابرة أو تحرك محدود لقواتها أو عملية اختراق بعدد قليل من القوات لتحقيق أهداف محددة، إنما كانت عملية عند التخطيط لها وتنفيذها، ذات أهداف كبيرة ذات بُعد إستراتيجي واضح، تعمل الحركة على تحقيقه، قاصدة منه نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة من الصراع في دارفور..
> وظنت الحركة بعد سنوات في دولة جنوب السودان وأوغندا، أنها تلقت التدريب الكافي ودربت قواتها تدريباً متقدماً أشرف عليه خبراء عسكريون من إسرائيل ودول غربية عديدة، ولم يعد البقاء في الجنوب أو داخل الأراضي اليوغندية يفيدها في سبيل هدفها الكبير في السودان، كما أن الصراع الدموي في دولة الجنوب بدا يستنزف موردها البشري المتناقص، فضلاً عن كونها تواجه صعوبة بالغة في تجنيد العناصر من داخل دارفور أو من امتداداتها الاجتماعية داخل تشاد..
> وعندما قررت قيادتها تحريك القوات واختراق حدود دارفور، كان هناك هدفان أساسيان يتلخصان في ما يلي:
الهدف الأول: تم توقيت دخول القوات مع الانتخابات وقبل إعلان النتائج لحصد عائدات سياسية من العملية، تخلط الأوراق وتعطل الانتخابات أو تُحدث جلبة عظيمة مع إعلان نتائجها، وقررت قيادة الحركة بالتنسيق مع قادة الحركات المتمردة الأخرى، وصول هذه القوات في نجاحها المرور بسلام للوصول إلى منطقة شرق جبل مرة، حيث توجد معسكرات ومراكز تجمع للقوات حصينة وصعبة الوصل للمهاجمين، ستكون هي قاعدة لانطلاق العمليات العسكرية للحركات في كل دارفور، وقد ضعف وجود الحركات المتمردة في هذه المنطقة خلال الفترة الماضية نتيجة للتواجد الجيد للقوات المسلحة حولها، مما أضعف حركتها وشلَّ نشاط المتمردين، فكان الوصول إلى هذه المناطق وتعزيز الوجود هناك، أهم أهداف العملية، خاصة أن قوات الحركة قادمة من الجنوب بتسليح كبير وتشوين وعتاد حربي يؤهلها في حالة وصولها لعمليات طويلة.
> الهدف الثاني: نسقت جهات إقليمية ودولية لإلحاق قوات هذه الحركة أو جزء منها للعبور عبر الصحراء الكبرى إلى ليبيا للعمل كمرتزقة مع قوات ما يُسمى بـ(جيش الكرامة) الذي يقودة خليفة حفتر ومعه فلول من قوات القذافي وقادة نظامه السابقين، لمساندتهم في المعارك الدائرة هناك تمهيداً لاجتياح العاصمة الليبية طرابلس، وقد نجحت قوات من حركة مني أركو مناوي في الوصول إلى ليبيا والالتحاق بهدفهم من أجل تحقيق مكاسب مادية، كما فعل معهم القذافي قبل سقوط نظامه.
> وعملت قيادة حركة العدل والمساواة وخاصة عناصرها الموجودة في بعض العواصم المجاورة من تنسيق عملية الالتحاق بقوات حفتر في ليبيا، وساهمت مخابرات دول في الجوار على ترتيب اللقاءات وتنظيم الترتيبات والدعم اللوجستي مع حكومة دولة الجنوب وحكومات أخرى والمخابرات الإسرائيلية لتحقيق هذا الهدف..
> من هنا نخلص إلى أن العملية التي كانوا يتوقعون لها النجاح، لم يُحسب لها حساب الفشل، وكان يُعتقد أن القوات الموجودة في المسار من مناطق غرب بحر الغزال وراجا وحفرة النحاس والمثلث بين السودان وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى، حيث تجمعات هذه القوات، كان يُعتقد أن عبورها من الحدود وإلى الغرب من محلية بُرام والردوم، مروراً بغرب وجنوب غرب تُلُس في البطن الرخو لجنوب دارفور ومناطق قريضة ثم الانعطاف ما بين جنوب غرب نيالا ومحلية كاس، للوصول إلى مناطق شرق الجبل سيكون سهلاً وميسوراً، ويمكن أن تقطعه القوات بعرباتها السريعة في غضون ساعات دون أن تدخل في معركة أو اشتباكات طويلة..
> وهذا المسار شبيه نوعاً ما، بالمسار الذي سارت فيه قوات داؤود بولاد وعبدالعزيز الحلو عام 1992م وباءت تلك العملية أيضاً بالفشل وانتهت النهاية المعروفة، وكان مقصدها أيضاً جبل مرة.
> ويذكر أن العدل والمساواة كان لديها عدة خيارات. فخيار الذهاب مباشرة إلى ليبيا خُطِّط له العبور عن طريق مناطق غرب كردفان وهجليج، لكن حكومة دولة جنوب السودان لم تحبذه لقربه من مناطق البترول التي تتوفر فيها قوات كبيرة للجيش السوداني، وقد تحدث معارك تمتد إلى مناطق الجنوب البترولية وهي أصلاً تشهد معارك مع المعارضة الجنوبية، وستكون كلفتها السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية على دولة الجنوب باهظة..
> كذلك خططت الحركة للعبور عن طريق منطقة سماحة والمرور بولاية شرق دارفور، لكن تواجد القوات هناك وقوات الدعم السريع وحرس الحدود والمجتمع المحلي المناوئ للحركة صرف النظر عن هذا الخيار.
> وعندما اختارت المسار الأخير، لم تكن تتحسَّب هذا الحساب، فوقعت في الفخ.. وها هي الحركة في رمقها الأخير بعد أن فقدت قوتها الرئيسة التي تعتمد عليها وخسرت قياداتها الميدانية وكشفت كل ما لديها..