فَرِحٌ أنا وسعيدٌ بالانتصار الذي حققه الجيش السوداني والدعم السريع في معارك اليومين الماضيين.. فرح أن تلقى جبريل إبراهيم ورهطه ورفاقه في الجبهة الثورية صفعة و(درشة) قوية تضاف إلى أخريات كثر تورط في خوض غمارها منذ أن بدأ وأخوه خليل تمردهما ورغم كل ما جرّته عليه تلك الحروب من خسائر بشرية ومادية تجرّع غصتها حلقه المثخن بجراح الهزائم، إلا أن العزة بالإثم لا تزال تُلح عليه أن يواصل تمرده اللعين.. غير مكترث بمن مات من جماعته ولا من الطرف الآخر المناوئ الذي كان ذات يوم جزءاً منه، ولا مهتم بآيات القرآن تزأر وتحذر: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
كم أنا حزين في ذات الوقت أن يستمر مسلسل الموت والخراب والدمار في حروبنا المجنونة.. كل حروب الدنيا بما فيها جوارنا الأفريقي وضعت أوزارها إلا حربنا.. بربكم ما هذا الشيطان الذي غادر كل الدنيا وأبى إلا أن يستوطن في أرضنا.. هل هي علة فيه أم فينا نحن الذين استبقيناه وأقمنا له البيئة الملائمة والمناخ الصالح ليستقر ويقيم؟.
قبل أن نلتفت إلى دولة الجنوب دعونا نجلّي نقطة جديرة بالمناقشة.. فقد عجبت أن بعض قوى المعارضة تخلط خلطاً غريباً بين الموقف السياسي من النظام الحاكم وبين القضايا الوطنية بما فيها الموقف من القوات المسلحة السودانية والقوى المساندة لها، إذ يعتبرون انتصار قواتنا المسلحة على المتمردين انتصاراً للحكومة التي يعارضون سيما إذا كان بعضهم على علاقة سياسية بالمحاربين وحملة السلاح المقابلين للقوات المسلحة.
أقولها ضربة لازب إنه أصلاً لا يجوز التحالف مع من يحمل السلاح، وإذا كانت القوانين لا تنص على اعتبار ذلك خيانة وطنية، فإن تعديلاً سريعاً ينبغي أن يصدر لتصحيح ذلك الخطأ.
وأذكر أنني جلست إلى القانوني والأكاديمي د. عبد الرحمن الخليفة أستاذ القانون بجامعة الخرطوم في حضور آخرين وعبّر الجميع بعد مدارسة للقوانين السارية عن دهشتهم أنه لا يوجد قانون للخيانة الوطنية، وقد قال د. عبد الرحمن إن ذلك كان موجوداً، إلى أن حذفه د. الترابي أيام كان نائباً عاماً في عهد الرئيس نميري، وكنت يومها أبحث عما أقيم به دعوى على الرويبضة عرمان وأقمت دعوى بديلة تحت القانون الجنائي ولكنها لم تتحرك بفعل فاعل لا أدري حقيقته حتى الآن!.
في كل الأحوال إنه في بلاد تعاني من الحروب والتمردات والاضطراب السياسي ينبغي أن يحدد القانون الحلال الوطني والحرام الوطني بدون تعسف من السلطة الحاكمة يتيح لها استغلال نفوذها لتمرير ما يُضيّق على معارضيها بما يعني أن ذلك ينبغي أن يتسق مع المعمول به في الدول الأخرى التي تُعلي من شأن الحريات لكنها لا تتهاون في إعلاء القيم الوطنية العليا.
أقول إن البعض يخلطون الأوراق ويعتبرون انتصار القوات المسلحة انتصاراً للحكومة أو للحزب الحاكم الأمر الذي يجعلهم ينحازون تلقائياً إلى الطرف الآخر، وهذا تطفيف وإخسار للميزان ذلك أن الأمة جميعها بأحزابها وجماهيرها ينبغي أن تتفق على مشتركات يتوحد الناس جميعاً على الالتفاف حولها وهذا من أبجديات وأسس التربية الوطنية التي ينبغي أن يحتشد الناس ويجمعون ويتفقون عليها.
على سبيل المثال فإن السيد الصادق المهدي ما كان يرضى بأي حال عندما كان وزيراً للدفاع ورئيساً للوزراء قبل نظام الإنقاذ أن تتحالف المعارضة مع حركة قرنق، وكان يعتقل من يفعل ذلك كما ثبت من الوقائع التاريخية مثل ندوة أمبو وغيرها، وبالتالي فإنه لا يجوز للرجل أن يتخذ اليوم موقفاً مغايراً لأنه لم يعد في منصبه الذي أملى عليه يومها اتخاذ مواقف أخرى على العكس تماماً من موقفه الحالي.
هذه هي المعايير التي ينبغي أن يتحاكم إليها الناس جميعاً.. ألا يجرمننا شنآن قوم ألا نعدل.. بمعنى ألا يحملنا بغضنا لقوم أو معارضتنا إياهم ألا نعدل في التعامل معهم إذ أننا بذلك نكون قد ارتكبنا خطأ دينياً ووطنياً وأخلاقياً سيحاسبنا عليه الله تعالى قبل أن يحاسبنا التاريخ.
أما نظام سلفاكير فقد كتبت عنه قبل يومين وأزيد اليوم أنه لن يحتاج منا إلى أكثر من (دفرة) لينهار فهو على شفا الموت بعد أن أنهكته الحرب الأهلية والمجاعة التي جعلت شعبه يفر إلى دول الجوار خاصة السودان، وها هي القبائل الاستوائية تشتعل بالتمرد على احتلال الدينكا لأراضيها.
نحتاج إلى إعمال سياسة Shoot to kill من جديد التي أُعلنت في وقت سابق مع إغلاق كامل للحدود وإنها لدروشة وسذاجة أن تتعامل بالحسنى مع عدوٍ يتربص بك ويسعى إلى قتلك فقرآننا يعلمنا: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ).
إن حل مشكلة الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور يحتاج إلى قطع رأس الأفعى الذي ينفث السم في جسدنا، ويدعم المتمردين من عصابات الجبهة الثورية، فهلا اتعظنا هذه المرة وعلمنا أن إزالة سلفاكير من حكم الجنوب ينبغي أن تسبق التصدي للجبهة الثورية في مناطق التمرد؟.