الدكتور نبيل عربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، استقبل في مكتبه قبل يومين السيد الصادق المهدي.. وطبيعي أن يحمل الإعلام بعد ذلك خبر اللقاء ومعه حيثيات غالباً من شاكلة (أكدا على استقرار السودان وتحقيق السلام).. وينتهي الأمر إلى هنا دون حاجة للتفرس ملياً في حقيقة ما دار خلف الأبواب المغلقة بين الرجلين.
لكني أمس ذُهلت من بيان صادر من د. نبيل عربي اجتهد في إبراء ذمته من لقاء المهدي ووصفه بأنه مجرد لقاء (في إطار غير رسمي نظرًا لمعرفة سابقة ولما تربطهما من علاقة شخصية).. حسب ما ورد في البيان.
بكل يقين الأمين العام للجامعة العربية خامره ظن– وبعض الظن إثم- أن لقاء المهدي سيجعله في مواجهة مباشرة مع الحكومة السودانية.. ولمزيد من تبرئة الذمة ونفض اليد عن تبعات لقاء المهدي أكمل في البيان رسالته الاعتذارية إلى الحكومة السودانية فقال.. (وذكر المهدي بأن الجامعة سبق لها أن رحبت بمبادرة الرئيس السوداني عمر البشير في هذا الشأن، وبأنها تقف مساندة السودان في مساعيه لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في كل أرجائه وفي تكريس المسار الديمقراطي، مشيراً إلى أنه من هذا المنظور شاركت الجامعة بوفد من المختصين في مراقبة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت مؤخرًا في السودان وأصدرت بيانًا عن مهمتها حول نتائج الانتخابات…)
أي بعبارة أخرى.. (يا جماعة ما تزعلوش مني.. دا أنا حتى راقبت انتخاباتكم وشهدت لكم بنزاهتها)..
مؤسف للغاية أن يظن الأمين العام للجامعة العربية أن استقباله شخصية سودانية بقامة الصادق المهدي، أمر يستحق كل هذا الاجتهاد في التبرؤ منه وغسل اليدين بعد مصافحته.. خشية اتهامه بأنه يمارس سراً التبسم في وجه المعارضة السودانية.
مشكلة الجامعة العربية أنها تدار بعقلية الموظفين الذين مبلغ طموحهم أن لا يهدد كرسيهم شيء.. للدرجة التي يغمرهم فيها وهم وهاجس أن مجرد لقاء شخصية مسجلة في كشوفات المعارضة هو رجس من عمل الشيطان قد يهدد – طبعاً- الكرسي الذي يجلس عليه الأمين العام.
لا فائدة تُرجى من هذه الجامعة العربية (إلا للعاملين فيها بالطبع).. قارنوها مع الدور الذي يلعبه الاتحاد الأفريقي في السودان.. السيد ثامبو أمبيكي يكاد يكون عضواً في الحكومة والمعارضة السودانية.. يغوص في أحشاء الأزمة السياسية السودانية ويزور الخرطوم، ويلتقي بالحاكمين والمعارضين دون أدنى حرج.. فما الذي يدعو نبيل العربي أن يسكب كل هذا الاعتذار المهين لمجرد جلسة مع الصادق المهدي..
أوجع جبيننا كثرة طأطأته لإذلال ذوي القربى الذي هو (أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند).. ألم يحن الأوان لنتبدر مبادرة سوداني خالصة من عرق جبيننا المفصد بالإهانة.. لنلملم بقايا كرامتنا المنثورة في أركان الدنيا..
مبادرة ترحمنا من ذل انتظار العالم أن يحل لنا مشكلة هي من صنع أيدينا.