منى عبدالفتاح : غونتر غراس وما ينبغي أن يقال

قبل رحيله في 13 أبريل الجاري أنذر الكاتب الألماني ذائع الصيت غونتر غراس بالحرب العالمية الثالثة، كما زلزل الدنيا أيضاً بأنّه الكاتب الغربي الذي عمل على إغضاب إسرائيل دون أن ينتقص ذلك من شعبيته في الغرب أو الشرق شيئاً، كما لم تفلح الأصوات الكثيرة خاصة الإسرائيلية بالدعوة إلى سحب جائزة نوبل منه والتي نالها عام 1999م.
وغراس الكاتب الأكثر تقديراً في وطنه طوال ما بعد الحرب حيث يمثّل الشعور القومي للألمان. كان أحد أعضاء حلقة 47 وهي حلقة من الكتاب تشكلت لتجديد الأدب الألماني، واشتهرت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي حيث تركت الحرب العالمية الثانية ألمانيا تائهة فوقع على غراس وصحبه واجب إعادة الثقة في المثقفين حتى وصلوا بفضل الكاريزما الخاصة بمثقفي ذاك الزمان إلى زعامات مثالية.
عرفه العرب من خلال رواياته ومنها رواية «طبل الصفيح» التي نالت شهرة عالمية كبيرة بعد نشرها عام 1959م، وتُرجمت إلى عدة لغات عالمية من بينها العربية. أمّا التأثير الذي تركه على الوطن العربي فهو نتيجة موقفه ضد الصهيونية العالمية، ووقوفه ضد إسرائيل بشكل مباشر ودون تنميق ذامّاً النفاق الذي تمارسه الدول الغربية لمحاباة إسرائيل، وذكر أنّه سئم ذلك كما أشار إلى أنّ أهوال النازية ليست ذريعة للصمت على فظائع إسرائيل. وكتب روايته «مشية السرطان» المنشورة عام 2002م، وهي عن النازية، وجاءت بصورة استلف فيها صورة السرطان ليرمز بها إلى الطريقة التي يجب على الألمان أن يدوروا بها على أعقابهم لينعطفوا نحو الأمام، وهذا الكلام لا يتعلق بماضيهم النازي، ولكن أيضاً بنتائج الحرب التي خيمت على ألمانيا بكاملها من نازيين وغيرهم.
وبعد عشر سنوات من تلك الرواية أي في عام 2012م نشر غراس قصيدة «ما ينبغي أن يُقال» ضمن ديوانه «ذباب مايو»، يدين فيها إسرائيل كخطر على السلم العالمي. وجاء فيها: «لماذا أقول الآن، وقد بلغت من العمر عتيا وجف قلمي، إنّ القوة النووية الإسرائيلية تعرض السلام الهش في العالم للخطر؟ لأنّ ما ينبغي قوله الآن ربما يكون قد فات أوانه غداً».
وقبيل وفاته أعرب غراس عن مخاوفه إزاء انجراف العالم إلى نوع جديد من الحرب، وقال في تصريحات لصحيفة «نويه فيستفيليشه» الألمانية «نسمع في الفترة الأخيرة تحذيرات متكررة من حرب عالمية ثالثة، أتساءل أحياناً ما إذا لم تكن تلك الحرب قد بدأت بالفعل بطريقة مختلفة تماماً عما عهدناه في الحربين العالميتين الأولى والثانية».
وأشار غراس إلى أنّ أشكالاً جديدة من الحروب قد تطورت حالياً، مضيفاً أنّه يمكن عبر الانترنت وحده عرقلة أنظمة وإدارة حروب اقتصادية، وقال «هذا يحدث بالتوازي مع نزاعات حربية تقليدية، مثل التي نشهدها في أوكرانيا وسوريا وأماكن أخرى».
وصرح الكاتب لإحدى المحطات الإذاعية الألمانية بأنّ العديد من قرارات الأمم المتحدة لا تنفذ، وإسرائيل هي قوة محتلة، وقد سرقت أراضي على مدى سنوات وطردت منها السكان وعدتهم مواطنين من الدرجة الثانية. وهناك لحظات عنصرية في تاريخ إسرائيل. وعندما اتهمته إسرائيل بمعاداة السامية قال إنّه يعتقد أنّ عدم انتقاد إسرائيل عندي «هو شكل جديد من أشكال معاداة السامية».
كما لديه مواقف أخرى تُحسب لصالح العرب والمسلمين عندما شنّ هجوماً حاداً على الصحيفة الدنماركية التي نشرت الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم ووصفها بالصحيفة اليمينية المتطرفة، معتبراً أنّ نشر هذه الرسوم كان مخططاً متعمداً وذلك لاستفزاز المسلمين، وما قام به المسلمون لمواجهة ذلك التطرف كان متوقعاً، لأنّه يأتي في إطار دوامة العنف العالمي التي فجرها الغرب بدعمه للرئيس الأمريكي جورج بوش إبان غزوه للعراق.
وهذا ما يمكن ملاحظته من استمرار وتفاقم للاحتقان الحالي في علاقة الغرب بالعالم الإسلامي واتساعه ليتطور إلى صدام عنيف بين الحضارتين الإسلامية والغربية مما يُعتبر أمنية مشتركة لمن أسماهم بالمتطرفين في المعسكرين الإسلامي والغربي.
mona.a@makkahnp.com

Exit mobile version