أن تُسرق أية سيارة مهما غلا ثمنها وأياً يكن موديلها وفخامتها ومهما بلغت مكانة مالكها، فإنها تظل عادية ومعتادة، إذا ما قورنت بسرقة سيارة ذات دلالة رمزية، كأن تسرق مثلاً سيارة تابعة للقصر الرئاسي كما حدث بالأمس، أو أن تسرق سيارة نجدة أو سيارة إسعاف كما حدث من قبل، فسرقة مثل هذه على صعوبة حدوثها فهي كذلك من الغرابة بمكان لا تثيره حتى لو سُرقت عربات قيادات هذه الأجهزة من منازلهم.
بالأمس حدّثت الغراء صحيفة (الأهرام اليوم)، عن حادث غريب وهو سرقة حافلتين من داخل القصر الجمهوري، وفي التفاصيل أن الشرطة تلقت بلاغاً من القصر الجمهوري؛ يفيد فيه أن مجهولين تمكنوا من التسلل لداخل الجراج الخاص بسيارات القصر وسرقوا منه حافلتين… هذه الحادثة على غرابتها لجهة أن سرقة عربة من القصر ليست مما اعتاده سارقو العربات، ذكرتني بسرقتين سابقتين وقعتا على سيارتين من ذوات الدلالة الرمزية، الأولى كانت عندما كشفت الشرطة في وقت سابق عن ضبطها لعربة إسعاف كانت قد سُرقت قبل عدة أعوام، والثانية وكانت أكثر غرابة وإثارة وهي تلك السرقة التي طالت قبل سنين متطاولة سيارة نجدة تابعة لوالي إحدى الولايات، وهل هناك غرابة وإثارة أكثر من أن تُسرق السيارة التي يهابها الشرفاء دعك من اللصوص، السيارة التي تتنحى لها كل السيارات جانباً عندما تطلق (السرينا) صفارتها المميزة وهي منطلقة كالسهم لا تلوي على شيء إلا عندما تقبض على لص هارب أو تنجد مستغيث، فغير أنها تهش اللصوص وتغيث الملهوف وتنجد الضايق، فإنها تفتح للسياديين مغاليق الطرق وتهش عن مسارهم كل دواب الأرض، هذا غير أمارات العظمة ومظاهر الأبهة التي تضفيها على مواكبهم بما يشع منها من ألوان خضر وحمر وصفر زي شفق المغارب.
ولكن اذا كانت سرقة عربة النجدة اتهمت بها المعارضة حين كانت المعارضة تعرض وتستعرض عضلاتها وتنشط في كل الفراغ المحادد لدولة إريتريا، أيام كان أفورقي أحد محاضنها وملاذاتها، وكان كورالها ينشد بصوت واحد على إيقاع عبارة مولانا الميرغني الشهيرة، سلّم وما بتسلم، رحمت متين عشان ترحم، عليك الزحف متقدم، وليك الشعب متلملم ومتحزم، يقول سلّم، تراث أجدادنا سلّمنا، عقول أولادنا سلّمنا، بنادقنا البتضربنا، الموجهة لي صدورنا وبرضو حقتنا، سلّمنا، سلّمنا الزمان الضاع، ليل الغربة والأوجاع، أحزانا العشناها مع الوطن العزيز الجاع، ومن ساحات الفداء (تووووف) كان يأتيها الرد من الجانب الآخر، نجضت نجضت ما تدوها بغاث الطير، ما تدوها الخانوا بلادهم وخانوا الشهداء، ديل أدوهم نار الدوشكا وديل قابلوهم بالتعمير.. اذا كانت تلك (السرقة) قد وقعت في تلك الأيام التي مضت والسنين التي ولت بأحداثها التي انقضت بعد أن فعلت فعلتها بالمعارضة، فالذي يحيرني الآن هو من هؤلاء اللصوص الجريئين الذين لم يخشوا هيبة القصر وحراسه الأشداء المدججين، وهل لم يجدوا سيارات يسرقوها غير سيارات القصر، أم أن في الأمر شيء ما.