حوالي السادسة مساء أمس (الثلاثاء) اضطررت – ولا يفعلها إلا المضطر – إلى المرور بموقف المواصلات الرئيسي بالخرطوم المسمى (كركر)، حيث ذروة زحام العاصمة وفوضويتها، وعبثية إداراتها المسؤولة عن تنظيم مواقف وحركة المواصلات في ولاية الخرطوم.
وابتداءً من تقاطع كلية الطب باتجاه الغرب نحو (الموقف العظيم)، تمشي السيارة بين جموع البشر الراجلين… والمركبات الزاحفة (كما يمشي الوجي الوحل)..!! تماماً كما قال “الأعشى” في معلقته الشهيرة: (ودِّع هريرة إن الركب مرتحل.. وهل تطيق وداعا أيها الرجل؟).
هل هذا مشهد يليق بعاصمة متطورة وحضارية؟؟ وهل هناك جهة (مسؤولة) وجديرة بالمسؤولية مكلفة بإدارة وتنظيم هذا الموقف وغيره من المواقف، ومتابعة حركة المواصلات وترتيبها بحيث لا تكون هذه (الهرجلة) عنواناً من عناوين الخرطوم التي تغزل فيها الشعراء وغنى لها الفنانون من زمن (الحقيبة) إلى زمن (سنتر الخرطوم.. السهر بالكوم…)!!
أنا أدعو الأخ الوالي الدكتور “عبد الرحمن الخضر” لاصطحاب وزير البنى التحتية الدكتور “أحمد قاسم” والمعتمد اللواء “عمر نمر” في زيارة مفاجئة لمواقف “كركر”، “جاكسون”، “شروني” و “بحري – المحطة الوسطى” قبيل وبعد المغرب، ليروا بأمهات أعينهم كيف تقوم (القيامة) في الخرطوم .. كل يوم؟!
أتعجب والله.. أليس هناك شخص مسؤول عن هذه المواقف وهذه المواصلات (الجايطة) من الولاية ومن شرطة المرور.. وهل هو مسؤول من مكتب سيادته أم المفروض أن يكون متابعاً في (الميدان) لعدة ساعات من يومه كل نهار؟!
بصراحة.. لست مقتنعاً بما يقوله الأخ الوالي مع احترامي وتقديري لجهده المنفرد، دون عون من مساعديه الغائبين باستمرار، لست مقتنعاً بما يقوله عن حاجة العاصمة لكذا (ألف) بص لنقل المواطنين، المشكلة ليست في (الكم)، و(الكم) دائماً مفتاح لـ(مآكل وتجاوزات) لا تنتهي.. المشكلة في سوء الإدارة وغياب المسؤول وعدم إحساسه بأن هناك مشكلة أصلاً!!
لقد عملت في مطلع سنوات (الإنقاذ) متطوعاً باللجان بالشعبية، (منسقاً) مع الأخ “صديق عبد الكريم” وهو من أصدق وأبرز (إسلاميي أم درمان)، ولكن تجاوزته المجموعات والتكتلات وأزمة (المفاصلة). كنا نعمل بلا مقابل في تنظيم المخابز والأسواق عندما كانت (اللجان الشعبية) تمثل كل شيء، لم ينشأ وقتها (المؤتمر الوطني)، وكان “الحاج آدم” منسقاً للجان الولاية، و”الحاج عطا المنان ” منسقاً للجان “الكلاكلة” وهكذا.. وكنا نوزع للمواطن (ثلاث رغيفات) فقط في يومه الطويل – هذا عندما تحسنت الأحوال – رغيفة لفطوره يا عزيزي الرايق وفايق “مصطفى البطل” والثانية لغدائه .. والثالثة لعشائه..!! فأنظر يا هداك الله .. كيف عبرت (الإنقاذ) حقبة الضنك العجيب والرغيف بكرت التموين والسكر وقدره (7) أوقيات فقط للفرد في الأسبوع.. وحتى السجاير كان بكرت التموين أسبوعياً.. ولم يكن هناك مجال للحصول عليه ولا على غيره من السلع من خارج (بطاقة التموين)!! فكيف تعجز الدولة التي عبرت كل تلك المضايق إلى (زمن السهر بالكوم .. والرغيف بالكوم…والسجاير مردوم) – شخصي لا يدخن و لا (يسف) ولا يشرب قهوة حتى لا يصبح الاستدلال بالسجاير مدعاة للسؤال..!! كيف تعجز عن تنظيم موقف (كركر) وتوابعه.. وكيف (تحوق) كل تلك الأساطيل من (بصات الوالي) الكبيرة والصغيرة والحافلات الخاصة عن نقل عباد الله الكادحين صباحاً ومساء، علماً بأن مئات الحافلات تهرب من (الموقف) بعد اكتمال (العداد) وبلوغ عدد (الفردات) هذا غير (وقت التكلات والأكلات) والمؤانسة جوار (ستات الشاي) في بلد (المليون ست شاي)!!
سيدي الوالي … العبد لله الفقير مستعد .. ومتبرع ودون أجر.. أو حافز .. للعمل والإشراف المباشر على تنظيم المواقف وحركة المواصلات في وسط الخرطوم بمعاونة الجهات المختصة ولمدة (شهرين) فقط.. بالعدم ..أرجو صادقاً تكليف الرجل الطاقة العميد “يوسف عبد الفتاح محمود” بهذه المهمة كاملة، دون تدخل من آخرين (جعجاعين) من غير طحين.
وزوروا هذا (الكركر)..!!