إذا قلنا بأن سلفا كير رئيس حكومة جوبا يريد توزيع الإمكانيات العسكرية والأموال بين قوات قطاع الجنوب في الحركة الشعبية التي تحارب النوير وبين قوات قطاع الشمال في ذات الحركة التي تحارب الخرطوم ومعها حركات دارفور المتمردة، ونحن نعلم أن عائد النفط قد توقف الى حد كبير، فهل نفهم من ذلك أن حكومته تستطيع أن تحارب أكثر من عدو؟!
تتحدث الحكومة السودانية عن أن جوبا نقضت العهود والمواثيق، لكن ما أراه هو أن «جوبا» ما عادت تحكم دولة جنوب السودان بعد تمرد مشار. فمشار يحكم جزءاً عظيماً منها، والجزء الآخر تحكمه يوغندا التي استفادت من فرصة نفوذية ذهبية هي الفراغ العسكري الذي خلَّفه تمرد مشار، فقد تبعه أغلبية الجنود وأغلبهم من النوير والآن أغلب المسلحين من أبناء الشلك المقاتلين يميلون الى أبناء إقليمهم النوير. ووجود يوغندا عسكرياً في جنوب السودان، ومن ضمنه إقليم أعالي النيل «المفترض أن يُغير اسمه الى أداني النيل بعد انفصال الجنوب او أي اسم آخر». ووجود يوغندا عسكرياً هناك سيولِّد تعاطف الشلك الشديد مع النوير وقيادتهم العسكرية التي تحارب حكومة سلفا كير، فالحلف القبلي بينهما أجواءه مهيأة.. لكن يوغندا كدولة أفريقية لن تكون أفضل من غيرها، فهي لا تكترث لإسالة الدماء وإزهاق الأرواح في حروب قبلية طاحنة.. فكل ما يهمها اغتنام الفرصة النفوذية الذهبية بالتعويض عن الفراغ العسكري داخل الجيش الشعبي بقيادة حليفها سلفا كير بقوات يوغندية تجد الدعم الأجنبي وتنتظر الأجر مستقبلاً من عائدات صادر النفط الجنوبي.
إذن.. حينما تتحدث الحكومة السودانية عن نقض جوبا للعهود، فهي توجه نقدها وهجومها لحكومة تنسيقية لا تحكم الدولة.. حكومة تنسق بين العملية العسكرية اليوغندية، وبين العمل الاستخباراتي الذي تقوم به قوات سلفا كير «غير القومية».. قوات سلفا كير «البحر غزالية». أما الاستوائيون، فإن نائب الرئيس أصبح من أبنائهم وهو لا يملك القرار العسكري وأهله لا يملكون القوة العسكرية التي توفر لهم التحرك بنفوذ في أروقة السلطة. فهو فقط يتحصن هناك في المنطقة الخضراء. لكن اذا كان إقليم أعالي النيل او «أداني النيل» بعد الانفصال أو الإقليم الشمالي، اذا كان قد أصبح يبعد من سلطة سلفا كير شيئاً فشيئاً وهو إقليم النفط، ألا تخشى جوبا من تحفيز أبناءه لانفصاله باستغلال الوضع الإقليمي المعقد أمامهم باتخاذ إقليم بحر الغزال منطلقاً للتمرد السوداني ضد الخرطوم بدعم من جوبا؟!. والآن الخرطوم تعبر عن غضبها من انطلاق عمليات التمرد من الاراضي الجنوبية رغم أن انطلاقها من هناك يعرّض المتمردين للوقوع في كمين كما حدث لقوات حركة العدل والمساواة مؤخراً، وهي تتجه بعشرات السيارات نحو دارفور. وكأنها تريد الاكتفاء بقوات مناوي من الجانب الشمالي وهي هاربة من ليبيا بالأسلحة الثقيلة واللوجست بعد خدعة عجيبة تنتظر المجرم «حفتر» أن يقع فيها.
الجيش السوداني يقول إن جوبا خرقت المواثيق الدولية. والسؤال هنا من سيخرق العهود إذا لم تحرقه جوبا؟!. إن جنوب السودان أصبح مناطق فوضوية تغيب فيها الدولة العادية إذا اعتبرنا أن الدولة الطبيعية تكون ذات جيش واحد ولا تخوض حرباً خارجياً، وهي تواجه تمرداً داخلياً يهز فيها عرش السلطة. إذن.. ستستمر جوبا رضيت ام أبت في تنفيذ كل ما يمثل خرقاً للمواثيق الدولية، فهي مضطرة فإما أن تنفذ أو يذهب حكم سلفا كير. لذلك فإن مجموعة الدينكا بقيادة سلفا كير مستعدة لدفع أي ثمن مهما غلا لحماية الحكومة القبلية هناك. وهذا يعني فتح الفرصة لتسليح قوة كبيرة من الاستوائيين مثلما كان الحال قبل عام 1972م في حركة أنانيا.. وهذا إذا تحققت يعني أن أنانيا «3» ستطرد الدينكا من جوبا الى بحر الغزال، وبعد ذلك سيكون الجنوب قد انفصل تلقائياً بدون استفتاء الى ثلاثة دول.
غداً نلتقي بإذن الله..