تمدَّد العنف المادي في بلادنا وطفحت وسائط التواصل الاجتماعي تنقل يومياً أحداث القتل والسحل والاعتداءات.. ليس في مناطق رزئت أصلاً بمثل هذا السلوك.. إذ اتخذ العنف فيها مساكن وشيد على أرضها ضيعاً وساحات.. ولكن العنف تمدد في المدن وحتى في الجامعات.. في الأسبوع الماضي وقعت حادثة قتل في عطبرة دافعها السرقة.. وفي الجزيرة منطقة أمرحي ذبح طفلان غريران.. من الوريد إلى الوريد!! وفي الخرطوم، وقع اعتداء بسكين على أفراد الشرطة.. وأخيراً عشية (الجمعة) عادت القوى الظلامية التي تتربص بالصحافة ،لتعتدي على ناشر صحيفة (المستقلة) “علي حمدان” في هجعة الليل.. الساعة الحادية عشر، ذات موعد اختطاف “محمد طه محمد أحمد” وذبحه في حادثة أدمت قلوب السودانيين من “حلفا” إلى “نمولي”، قبل أن تذهب “نمولي” نفسها إلى غياهب المجهول.
الصحافة جزء من المجتمع العريض.. وإذا كانت الشرطة التي تحمي المواطنين هي نفسها ضحية للعنف.. كم عدد شهداء الشرطة في أحداث وقعت داخل الخرطوم؟؟ وحتى حراس بوابة القصر الرئاسي تعرضوا لاعتداء.. ولم يتبقَّ شيء.. التجار والرأسمالية في دارفور يخطفون ويعذبون وتنهب أموالهم.. ويقتل من يقاوم، ودونكم مدينة “نيالا” التي يسكنها الرعب والخوف. تعرض زميلنا المهندس “عثمان ميرغني” لمحاولة تصفية جسدية داخل صحيفته ولا يزال الجاني مجهولاً؟؟ و”عثمان” يحتسب دمه لله.. وينتظر يوم حساب لا عصمة فيه لجاني.. ولا حصانة لحرامي ونهاب وهو يوم يرونه بعيداً ونراه قريباً.
“علي حمدان” الذي سالت دماؤه عشية (الجمعة) هرب المعتدون عليه في جنح الليل ولم تعثر عليهم الشرطة بعد، ولكن السؤال الذي ربما وجد د.”علي بلدو” اختصاصي الطب النفسي، “بلدو” الإنسان الرائع ، إجابة لأسباب هذا التمدد في العنف. فهل ثمة أسباب منطقية لهذا الجنون اللامنطقى؟ ولماذا أخذ بعض الناس يسلكون دروب سفك الدماء، وإلغاء الآخر المختلف معك إلغاءً كاملاً من الوجود، وحتى مستوى الفعل.. و”علي حمدان” رجل الأعمال الثري حينما كان فقيراً في (ألوان) يجلب الإعلانات ،ولا يكتب في السياسة ولا يخوض في الملفات الحمراء.. لم يتعرض حتى لرشق بمناديل الورق.. وحينما تنامت ثروته.. شركات مقاولات.. وشركات طرق وجسور.. وصفقات تجارية في “دبي”، وحتى حينما نشط في نادي الهلال، وجاء لـ”الحاج عطا المنان” يحمل مليار جنيه دعماً لمسيرة النادي، لم يعتدِ عليه أحد.. وأصبحت أبواب المصارف والوزارات مشرعة لـ”حمدان” لكنه ، مثل كثير من رجال الأعمال، حينما تتنامى ثروتهم يبحثون عن الشهرة من خلال الصحافة المسكينة كناشرين، وما أن هجر “علي حمدان” سوق المقاولات والشركات وأصبح كاتباً راتباً.. وخاض معاركه مع حكومة النيل الأبيض وواليها.. وبات صديقاً للمحاكم والنيابات.. يرقد اليوم جريحاً في حادثة اعتداء بشعة.
لن تكون حادثة “حمدان” هي الأخيرة في مناخ سياسي واجتماعي، إذا انتقد فيه صحافي سلوك مسؤول تنفيذي لاذ المسؤول التنفيذي ،بقبيلته وعشيرته.. وجاء بكل أدوات العنف ليقتص من الذي مس كبرياءه وقامته السامقة.. كل من يكتب في الشأن العام مصيره أن ينال مثلما نال “علي حمدان”.. وقد أصبح العنف في بلادي مسيطراً على مخيلة الناس وهو حالة ثقافية.. وحالة مرضية.. وحالة تستوجب العلاج والتوعية والتثقيف. في الأسبوع الماضي كتبت نقداً لنتائج الانتخابات في إحدى المحليات الطرفية، ومن خلال قروب في الواتساب.. وطالبت بتغيير مسؤول صغير جداً، فما كان من أحد افراد الحاشية إلا وجمع قبيلته وحرضها كذباً، بأن فلاناً أساء إليكم.. وتخفى هو في ثياب الغادرين بحثاً عن قلم نال من المعتمد ليقتص منه بيده الباطشة.
تلك ممارسات وسلوك تفشى في الوسط الاجتماعي.. مجرمون تحت الطلب.. وأمراء قتل لمن يدفع لهم.. وشخصيات سياسية تلوذ بقبائلها وتزج بها في معارك ليست معاركها.. إن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق البروفيسور “غندور” لتنظيف الملعب التنفيذي من (الشبيحة والبلطجية) حتى لا تجد الحكومة نفسها يوماً ضحية لأمثال هؤلاء.