الإعلامي الناجح هو ذلك الذي يتواضع في حضرة الناس، فترفعه محبتهم له درجات وتدفعه للمزيد من النجاح. وبقدر ما تجدنا معنيين بضرورة التجويد اللغوي والثقافة والحصافة والبديهة الحاضرة كتفاصيل أساسية يجب توفرها لدى المذيعين ومقدمي البرامج تحديداً، تجدنا بالمقابل نبذل خالص الإعجاب والاحترام لأولئك الرائعين (أولاد الأصول) الذين خرجوا علينا عبر الشاشات بكاريزما عالية وتميز ملحوظ يقومان على أرضية ثابتة من التربية السليمة والأدب الجم والبشاشة والبساطة والتعامل الراقي.. وهؤلاء يقف على رأسهم بكل جلال سيد شباب المذيعين بفضائية النيل الأزرق (محمد عثمان)!
هذا الفتى النحيل النبيل الذي أسر القلوب وقفز فوق درجات النجاح باقتدار واستحقاق لأنه ببساطة نجح أولاً في التعريف بنفسه كأحد أفراد غالبية الأسر التي يدخلها من خلال عمله الأساسى.. فرأى فيه الجميع الابن والأخ والصديق قبل أن يأسرهم مذيعاً لامعاً ومجتهداً تطورت أدواته يوماً بعد يوم واتسعت خبرته بمرور السنوات دون أن يتوقف عند محطة معينة أو يقع في فخ الغرور والسماجة والفشل.
ويظل (محمد عثمان) في حضوره وغيابه ركيزة أساسية من ركائز تلك القناة المتفردة، لم ولن يستطع أحد ما أن يشغل مكانه، ذلك المكان الذي ظل في الفترة الأخيرة شاغراً لدواعي مرض هذا الفتى الطيب العزيز الذي سقط خبر استشفائه في رحلته الأخيرة عليَّ كالصاعقة، فقد كنت أظنه في رحلة عمل خارجية مستحقة يمثلنا فيها خير تمثيل.. كيف لا وأنا لم ألمح عليه يوماً أثراً لإعياء ولا سمعته شاكياً أو متوسلاً برواية قصة رحلته الطويلة مع المرض.. لم أره أبداً إلا هاشاً باشاً ملاطفاً ودوداً يوزع الابتسام والبهجة والاحترام!!
ولكن.. ولأن المؤمن مصاب…علمت مؤخراً أن يعاني من إصابته بعارض مرضي دفعه للسفر طلباً للاستشفاء.. والمؤسف أن عدداً من الأقلام تداولت الخبر بطريقة مزعجة أقلقت مضاجع أهله وذويه ومحبيه ومعجبيه وأسلمته هو نفسه للألم والإحباط، حين زعمت إصابته بأحد الأمراض اللعينة المستعصية حمانا الله وإياكم، وراحت تنسج الحكايات المختلقه دون أن تستوثق من صحة الأمر، مما ألحق أضراراً معنوية بالغة بنجمنا الحبيب وأسرته.
وتجدني اليوم – بعد أن اطمأننت على صحته – أقدم له اعتذاري عن ما طاله من رذاذ كلماتنا، وأرجو له وافر العافية وتمام الشفاء.. وأسألكم له الدعاء الصادق بحق المودة وكل ذلك الجمال الذي ظل يحفنا به ويدفعنا للتسمر أمام الشاشات كلما أطل.. وكل ذلك الاحترام والتواضع اللذين يحفنا بهما في كل مكان وزمان.. وكل ذلك الأدب وحلاوة الروح اللذين يبذلهما أيما اتجه.. مع خالص تحياتنا لأسرته الكريمة العظيمة التي قدمته لنا من أوسع أبواب الأسر السودانية الأصيلة المتماسكة التي تحث أبناءها على النبل والأخلاق الحميدة والتسامح والصدق بقدر ما تحثهم على النجاح والتميز، ولعمري فقد أفلح الفتى في كل باقتدار وجدارة وحب، وظل دائماً وسيظل (نيلاً) رقراقاً يجري بالإبداع داخل ردهات قناة النيل الأزرق التي يحسب لها أنها نجحت في تقديمه وحافظت على استمراريته فيها ليحقق لها التوازن المطلوب في زمن أنصاف المواهب أدعياء النجومية الذين يجهلون أن تلك النجومية لا يحققها مال ولا جاه ولاعزوة.. ولكن يحققها حب الناس واحترامهم.
تلويح:
سلامات يا زول يا نيل.. سلامات محمد عثمان يا جميل.. دونك الشاشات خراب والبديل ليك مستحيل.