في شهر نوفمبر عام 2005م أعلن حزب البعث في العراق نبأ وفاة زعيمه الفريق أوّل أركان حرب عزت إبراهيم الدوري نائب رئيس مجلس قيادة الثورة أيام صدام حسين.. لكنه عاد ونفى الخبر. وربما بعد نفيه رأى بعض المراقبين أن إعلان الوفاة كان للتمويه في لحظات حرجة مرّ بها خليفة صدام في زعامة الحزب اثناء اختفاءه، فهو لا يقضي أكثر من ليلتين في مكان واحد.. أو «كان لايقضي» إذا مات الآن بالفعل.
الآن وبعد أن أسهم بقدر فعّال في إعادة جزء من السيادة العراقية للعراقيين في مناطق تنظيم الدولة الاسلامية وعاصمتها البصرة، استشهاده وهو في سن الثامنة والسبعين. انه اذن «استشهاد ثمانيني» تقبله الله..
وهذه المرة لم يعلن حزبه حزب البعث عن رحيله كما فعل في السابق ـ غير أنه الآن نفى استشهاده ـ ليكون لغرض عسكري أو لخطأ ما.. وإنما جاء الاعلان من وسيط إعلامي لا يستعجل اطلاق الاخبار بحكم القواعد المهنية.
لقد استشهد اذن عزت الدوري بعد ان اسهم أو دبّر بخبراته العسكرية والسياسية استرداد جزء عظيم من ارض العراق وسوريا من حكم وتسلط الطائفيين في بغداد ودمشق. وقد رحل عن الدنيا في عمر مستثنىً من أعمار الامة كما ورد في الحديث الشريف حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعمار امتي بين الستين والسبعين إلا قليلا».
والشهيد عزت الدوري يترك ذكرى مقاومة ثمرتها حتى الآن تحديد جزء عظيم من حكومة العراق الصفوية في بغداد. فهو ان كان من قادة الجيش العربي العراقي المسلم حينما خاض معركة «القادسية الثانية» بين عامي 1980م و1988م ضد الدولة الصفوية الثانية.. فإنه الآن يستشهد في معركة «القادسية الثالثة». ويترك هذه الذكرى العطرة.. والذكرى له عمر ثانٍ.. على رأي الشاعر أحمد شوقي:
دقات قلب المرء قائلة له..
ٌٌٌإن الحياة دقائق وثوان..
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها..
فالذكر للإنسان عمر ثان.
لكن بين «القادسية الثانية» وبين «القادسية الثالثة».. وبالضبط في آخر اغسطس اول سبتمبر عام «2012م» قال عزت الدوري اهم ما قيل عن ازمة العراق بألسن رئيس واعضاء حكومة البعث.. حيث اعترف بان ضياع الحكم وقوة العرب والمسلمين في العراق كانت بسبب الغباء السياسي لصدام حسين حيث انه لم يدرك حياكة خيوط المؤامرة ضد اقوى جيش عربي وصلت صواريخه الى عمق الكيان الصهيوني.. ان المؤامرة هي «فخ احتلال الكويت» وقال عزت الدوري: «في القادسية الثانية انتصرنا في كل المعارك خلال ثماني سنوات وحتى وضعوا لنا قضية الكويت فخاً محكماً وقعت فيه قيادة العراق فجاءوا من خلاله كحلقة اخيرة من حلقات الغزو إلى العراق بكل حقدهم التاريخي على الأمة».. انتهى. وهنا يقصد الحكومة الايرانية طبعاً.
لكن اذا كانت حكومة البعث في العراق قد خسرت القوى العربية والاسلامية باحتلالها للكويت في غفلة وغرور، فإن مقاومة البعث بعد اعدام صدام وهو يموت على شهادة التوحيد التي سمعها المليارات من سكان الارض.. فطنت لضرورة وحدة الصف المسلم وسعت بكل ما تملك من معدات وخبرات ان تدمج اكثر من خمسين فصيلاً مسلحاً ظهر في العراق بعد الاحتلال الغربي الفارسي الصهيوني. ان صدام ما كان يشعر بانه في حاجة الى كسب التيارات الاسلامية والعربية التي يختلف معها فكرياً لوضع سياج قوي لحماية قوته التي كان يدخرها للأمة وذلك بسبب غروره بتلك القوة وبقوته التي كان يدخرها للامة وبسبب استخفافه بقوة واشنطن واوروبا.. وافتقاره للقراءة الذكية لمخططات طهران تحت ستار «التقية» و«النفاق الدبلوماسي».
لقد رحل عزت الدوري في عمر متوقع فيه الرحيل دون اسباب صحية او حربية. لكنه رحل بعد ان استرد بافكاره الوحدوية ارضاً عراقية يسيطر عليها بعض العشائر السنية التي كانت في جيش العراق قبل الاحتلال الامريكي.. بجنود من الشباب من مختلف التيارات. شباب يرون القتل مجداً معهم شيب في الحروب مجربينا في القادسية الثانية والقادسية الثالثة. ترى هل ستنتهي معركة القادسية «الثالثة» بعودة العراق كاملاً لسيادة السنة العرب في العراق؟! إن عزت الدوري انتصر في القادسية الثانية لكنه استشهد اثناء الثالثة إذا لم يصح نفي حزب البعث لاستشهاده.
نلتقي غداً بإذن الله