تجد رشيدة علي بعض العناء، وهي تقلب الأقمشة بحثاً عن شيء مميز ترتديه في حفلة زفاف ابنها، فهي تبحث عن ثوب سوداني مميز بألوان وتصاميم “تبهر” المدعوّين.
ورشيدة مثل معظم السودانيات أصبحت تميل إلى متابعة “موضة” الثوب السوداني- أو “التوب” كما ينطق بالعامية السودانية- الذي لم يعد يشكل مجرد لباس تقليدي بل مجال إبداع وتطوير وفكرة لبعث مشاريع استثمارية.
وبين الأثواب ذات الألوان المتعددة والمختلطة- تعرف بالمُشجّرة- والمطرزة، وذات اللون الواحد، وأخرى رسمت عليها تصاميم بمواد خاصة، وتلك المزينة بالخرز والأحجار الصغيرة، يبدو الاختيار صعباً على رشيدة وغيرها، لكن هذا الاختيار خاضع لمقاييس منها السعر، ومناسبة لبس الثوب.
وتختار المرأة السودانية الثوب الخاص بها وفقاً لوقت ارتدائه، فالثوب الرسمي يختلف عن ذلك المخصص للأيام العادية، والسهرات، والحفلات، والمناسبات الخاصة.
تقول رشيدة: “ثوب النهار عادة ما يكون عادياً، وفي المكاتب وخلال المناسبات الرسمية ترتدي النساء الثوب الأبيض، أحياناً تكون عليه إضافات بسيطة، لكن أثواب السهرة فيها لمسة خاصة لا تخلو من الجمال والإبهار”، وبالنسبة لهذا النوع، تتمازج الألوان وتتنوع التصاميم والأقمشة، وتطرز الأنامل، وترسم، بعناية أشكالاً مختلفة، مستوحاة من طبيعة السودان، وتراثه الحضاري.
هذا الزيّ الذي يلبس فوق ملابس بسيطة تحمل ألواناً قريبة من لون الثوب، عادة ما يميّز المتزوجات عن غيرهن، كما إنه أصبح مؤشراً لدى البعض على المستوى الاجتماعي والمادي للسيدات السودانيات، وعلى الرغم من قدمه الضارب في التأريخ، يحافظ الثوب السوداني على شكله الأساس دون أن يتأثر بالكثير من التغييرات والإضافات التي أدخلت عليه، وقد دخل في تصميم هذا الثوب عشرات السيدات السودانيات اللائي وجدن فيما يفعلنه فرصة لتطوير أنفسهن وتشغيل آخرين، وتحولن من مجرد هاويات إلى مصممات محترفات وصاحبات مشاريع، وتعد تجربة المصممة خلود كبيدة (59 سنة) أحد نماذج النجاح في هذا المجال، فهذه المرأة التي بدأت العمل منذ سنوات بتصميمات عائلية خاصة أصبحت اليوم من بين أبرز المصممات في السودان، وهي صاحبة مشروع ناجح في المجال، ولا يقتصر الإبداع لدى كبيدة على الثوب النسائي، بل تشمل تصميماتها أيضاً الثوب الرجالي التقليدي، الجلابية السودانية المميزة بلونها الأبيض وعلى “العمة” (العمامة)، وفي حديثها للجزيرة نت، تقول خلود: إنها تستوحي تصاميمها من “السودان الوطن القارة” متعدد الثقافات والعادات والتقاليد ومن حضاراته المتعاقبة، وهناك تصاميم- كما تقول خلود- هي وليدة اللحظة، لكن أخرى قد تنبع من بحث أو من ملامح المرأة- نفسها- التي يراد تصميم زي خاص بها، ومن خامة الثوب وتكاليفه أيضا، وتشغّل خلود 11 عاملاً هندياً في التطريز، فضلاً عن عمال سودانيين في الخياطة، وهي تصمم شهرياً عشرات الثياب، كما إنها تصدّر شهريا نماذج تصميمات جديدة، وتسوّق ما تنتجه إلى خارج البلاد، وتشترك المصممة سارة أمين (36 سنة) مع خلود في حبها لتطوير تصميمات الثوب السوداني، وعلى الرغم من أن سارة بدأت عملها الفعلي منذ أربع سنوات في تصميم الأزياء وتسويقها، فإنها تمكنت من إدارة مشغل يضم خمسة عمال هنود في التطريز وآخرين في مجال الخياطة، وتؤمن كل من خلود وسارة أن مجال الإبداع لا يزال مفتوحاً أمامهما في هذا المجال الذي يجمع بين روح الأصالة والتجديد معاً.
صحيفة التيار