*للسر قدور قصص وحكايات ممتدة زينت براحات المكان وتحدث بها الزمان، فاحكي؟
حياتي كلها قصص وحكايات أولها أن أبي كان مادحاً وتاجراً وها آنذا اليوم أقداري تقودني لكي أكون شاعراً وإعلامياً، لم أخطط لهذا المستقبل الذي أنا عليه الآن، بل الصدفة لعبت دوراً كبيراً في خلق معظم الأحداث والوقائع المهمة في حياتي.
*التاريخ الأم درماني سطر على صفحاته رواية غريبة أنك عرفت مداخلها ومخارجها أزقتها وقهاويها قبل أن تراها؟
أم درمان ليست منطقة، بل هي ثقافة قائمة بذاتها لأنها جمعت كل ما يبحث عنه إنسان ذاك الزمان.
بداية من الإذاعة والتلفزيون ودور الثقافة ومجالس الأدباء..
كل حي فيها له حكاية فقد ألهمت الشعراء النص ورفدت الفنان اللحن وأعطت المستمع كل ما يتمناه.
ومن اتجاه آخر منذ صغري قرأت كثيراً عن المنطقة وتاريخها..
زائداً على ذلك كنت من الأنصار.
هذا الارتباط قوّى من التداخل بيننا، ففي المولد يأتون الينا في الدامر وداخل خيمة الأنصار تعرفت على أبرز الشخصيات؛ عوض شمبات وآخرون، وامتدت الصلات بنزولهم معنا في منازلنا.
وهنا كان التداخل بتبادل الواجبات وهذا سهّل علينا معرفة أجواء المنطقة، مداخلها ومخارجها، والكثير عنها، وعن التفاصيل المكملة لها، وعندما جاءت إشارة القدوم جئت إليها جاهزاً عارفاً بكل المواقع الإستراتيجية… التي يسعى كل فرد قادم إلى معرفتها.
*الغريب في الأمر إنك جئت إليها للمشاركة في تظاهرة وهذا يعكس جانباً سياسياً لا يعرفه الكثير عنك؟
فعلاً أتيت من الدامر للمشاركة في تظاهرة سياسية للأنصار.. ومن هنا كانت البداية لولوج أحداث ووقائع أخرى سطرتها تلك المشاركة.
*وما شكل الأحداث والوقائع التي ذكرتها، وهل هي ذات صلة بالتظاهرة السياسية أم في جوانب أخرى؟
وجدت نفسي موزعاً للجرايد عندما رفض جميع بائعي الصحف عن التوزيع.
هذه المحطة دعتني إلى دخول عالم الصحافة والذي امتد لسنوات عدة….
*في أي وقت حصلت كل هذه الأحداث؟
كان ذلك في الأيام الأولى من عمر الاستقلال تولى نصاب تلك الفترة.
الرئيس الأزهري افتتحنا فيها البرلمان السوداني…
*وهل كانت الآداب والفنون حضوراً آنذاك؟
جمع رجال تلك الحقبة إحساس واحد وهو العمل على بناء الدولة… بعد الاستقلال عبر الأدب والفنون.
فكانت المساهمة بقصيدة أو أغنية.. لذا ظهرت في تلك الأيام أصوات جميلة لم تلد الساحة مثيلاً لهم حتى الآن. لأنهم شكلتهم ظروف حقيقة ودعمتهم بالحس الفني المتعلق بالآخر ومتطلباته.
*ذكرت أن تلك الفترة أخرجت أصواتاً لا تتكرر فمن من فنانين ذاك الزمان؟
إبراهيم عوض كان مطرب الشباب الأول في عهد الاستقلال.. عبر عن إحساس تلك المرحلة، بعده جاء سيد خليفة يحمل نفس اللونية والسر الغنائي.
*مررنا على محور التحول من السياسة إلى الإعلام مرور الكرام. نرجع ونقول ما الإضاءات التي شكلت عندك بذرة الثقافة والاطلاع؟
كثيرة، منها شغفي ونهمي للاطلاع بشكل غير محدود ساعدتني على ذلك دور منها مكتبة المغربي بالدامر ومكتبة الأحيمر لصاحبها حسن علي عوض..
هذه الدور وفرت لنا مجموعة من الكتب والمجلات التي نهلنا منها الكثير ولمكتبة (دبورة) بعطبرة عالم آخر كان وكيلاً لأخبار اليوم ومجلة (المختار) تلك الإصدارة المترجمة عن الصحافة الأمريكية.
وتعتبر المجلة التي أطلينا عبرها إلى العالم الجديد…
*وهل الدامر مدينة تصحو وتنام على غلاف كتاب حتى لا تشغلك أمور أخرى غيرالاطلاع؟
– لم يكن هناك ما يستهويك بالانشغال سوى القراءة والاطلاع ولم تكن بالمنطقة خلاف لعب كرة القدم أو مشاهدتها، إضافة لعدم وجود سينما بالدامر، لذا نقضي جل الوقت في الاطلاع، وهذه الظروف ساهمت في التكوين الفكري والمعرفي لنا.
*يقال إن جدك جاءته ذات مرة ليلة القدر فبدلاً من أن يطلب “الغِنى.. لجنى جناهو، طلب الغناء” لذا خرجت أسرة قدور بهذا الشكل… فما مدى صحة هذه المقولة الرائجة؟
– هذه من الطرائف التي يطلقها الغير بغرض الونسة والضحك… ومن الطرائف المشابهة لهذه، ذات مرة ذكر د. كمال أبو سن أن أحداً زارته ليلة القدر أيضاً… فأراد أن يطلب منها أن يصبح مثل صلاح إدريس فتخبط في طلبه فقال أريد أن أكون إدريس صالح – سيد الكارو – صحى لقى نفسو سيد كارو.
*لا أود أن أقول لك ما الأسباب التي حالت دون استقرارات بالبلاد ولكن أقول ما شعورك… وأنت نازل على مطار الخرطوم؟
– شعوري لا يوصف وأن أرى بعيني محبة الناس وكأنه طوق من الورد يحلي جيدي وسعادة غامرة مصدرها أنني متواجد وسط ناس يقدروني ويحترموني.
*للسر قدور… ذاكرة ولغة ساعدت كثيراً في التوثيق لتاريخ الفن السوداني؟
– ساعدتني ظروف متعددة ولكن أساسها أنني من أبناء الخلوة ولها عدة ميزات منها أنها قادرة على تعليمك القراءة والكتابة بأسرع وقت، إضافة إلى أنها تعزز من إلهامك وحدسك… زد على ذلك أن ظروفاً أخرى مكنت من وصولي للحال الذي عليه الآن. وهو ارتباطنا أثناء دراسة بالخلوة بالشيخ ود البخيت حيث كان له صوت جميل مما أدخلنا في صورة بديعة في ذاك الزمن الذي كنا نحفظ فيه الصور بالأداء الصوتي، مما أضاف ذلك لاستخدامنا للغة منذ الصغر. وهذا قد أحدث تحولاً لغوياً من الفصحى إلى الدارجية؛ سرنا على نهجه حتى الآن.
*عاصرت حقب متنوعة منها الحقيبة والوسط الأول، وكذا الحديث، ماذا أنت قائل في هذه المجايلة؟
– الكلام يطول حول الحقيبة أصلاً الحقيبة ولا شيء يمكن قوله سوى أنني أحد تلاميذها، فلهذه النوعية من الفن سحر خاص لقدرتهم على سبك الجيد. أبدعوا في ترسيخ هذه المدرسة أفذاذ من أمثال سرور وغيرهم وهي فترة بلا شك لا تحتاج إلى تقييم وعن الجيل الحديث، فقد أخرجت مسميات لها وزنها ومن جيلي حسين بازرعة وإسحاق الحلنقي، وعن الحالي فإنه لا يحتاج لرأي ونتائجه واضحة لا تحتاج لاجتهاد.
وما أريد إضافته أن من الأسباب التي حافظت على بقاء غناء الحقيبة أنها محمية بلحن محدد مجرد الخروج عنه يعد خرقاً للقواعد.
*في فترة ظهرت على مجريات الساحة غناء يسمى بــ(غناء الأشراف) وهم شخصيات أخذت طابع الديني، واستحوا من كتابة أسمائهم على الأغنيات.. أضف لنا مزيداً عن هذا الموضوع؟
– في نظري، أن الفن في الأداء وليس الكتابة، زي كرة القدم، ولا يوجد دليل على ذلك… الناس بنسبوها لفلان وفلان.. ودي حاجة ما عندها سند
التغيير