د. جاسم الطوع : 30 فكرة تجعلك تحب نفسك وحياتك

«أف، غلقة، مالي نفس، طفش، مزاجي متعكر، الحياة روتين، ملل، ما أعرف إيش أسوي، زهقان، نقد، تشاؤم».. كلمات نسمعها كل يوم في كل مجلس أو تغريدة أو نقرأها بالصحف من الصباح إلى المساء، وأكثر الرسائل التي نقرأها أو نسمعها سلبية، وقليل منها إيجابي..

سمعت هذه الكلمات مرة في جلسة عائلية، فقلت للجالسين: التفتوا حولكم، وعيشوا نعم الله تعالى عليكم، وكونوا متفائلين.. فردَّ عليَّ أحدهم، وكيف نكون إيجابيين، والأوضاع كما ترى من حولنا؟.. سياسيا سيئة، واقتصاديا متدهورة، وتربويا منحدرة، وإعلاميا مضللة.

فقلت له: إذا كان كل ما تراه في انحدار، فكيف ترى نفسك إذن؟ فاستغرب من سؤالي وارتبك قليلا، وأنا أنظر إليه، ثم قال: فاجأتني بسؤالك، فقلت له: أكرر سؤالي مرة أخرى، وأنت كيف ترى ذاتك؟ فأجاب إجابة دبلوماسية، فقلت له: إنه من السهل علينا أن ننتقد، ولكن من الصعب أن نرتقي بأنفسنا، ونركز على ذواتنا، فنغيرها، ولو درسنا حياة المصلحين والناجحين، لرأينا أنهم قليلو الكلام كثيرو العمل، ونحن صرنا كثيري الكلام قليلي العمل.. وانتهى الحوار.

إن التفكير في الذات وتنميتها وتطويرها، هو الأساس الذي يهرب منه الناس بحيل كثيرة، من خلال كثرة الجلسات وطول السهرات والانشغال بالجوالات والقيل والقال.. كل ذلك، هروبا من مواجهة النفس والذات، فإذا جلسوا وحدهم في السيارة أو الطائرة أو في غرفة الانتظار، فإنهم يشغلون أنفسهم بأي شيء، حتى لا يفكروا بذواتهم، وتبدأ أنفسهم تحاسبهم على تقصيرهم، لهذا هم يتهربون من مواجهة ذواتهم.

وأذكر بالمناسبة رجلا قال لي يوما: أنا أهرب من نفسي.. فلما تحدثت معه، اكتشفت أنه مقصِّر، ولا يريد أن يحاسب نفسه على تقصيره، بينما لو جلس مع ذاته جلسة واحدة ونظفها من الشوائب، فإنه سينطلق محبا لذاته وللآخرين، وهذا ما حصل معه والحمد لله. وقد طرح سؤالا وهو: ما الأفكار التي تساعدنا على الشعور بالسعادة والراحة والاطمئنان، لنكون إيجابيين ومتفائلين؟

فأجبته: أول خطوة، أن نحب الجلوس مع أنفسنا وذواتنا، وثانيا أن نوقف ألسنتنا عن كثرة النقد والشكوى، وأن نعيش مع الطبيعة، ونرسم ونتغنى ونلعب، ونذكر الله ونتطوع في عمل خيري، ونساعد المساكين، ونسافر لنغير المزاج والبيئة، ونلعب وننظر للأمور بصورة إيجابية، ونصادق من تؤنسنا صحبته، ونكون متوازنين غير متهورين، ولا نكثر من تأنيب ضميرنا، ونسعى لتحقيق أهدافنا وأحلامنا، ونتعلم شيئا جديدا، ونأكل غذاء صحيا، ونتعلم من أخطائنا، ونرتاح، وننام مبكرا، ونحافظ على الصلاة في وقتها، ونردد أذكار الصباح والمساء، ونوقف أنفسنا عن كثرة لوم أنفسنا، ونعيش يوما من غير تلفاز، ونخرج للبحر أو للبر، ونلعب مع الأطفال، ونستمتع بلحظات السعادة التي نعيشها، ولو كانت لدقائق، ونتعرف على أصدقاء جدد، ونعمل بعض أعمالنا بأنفسنا، ونذهب للصالون، فحلاقة الشعر تضفي شعورا بالتغيير.. فهذه ثلاثون فكرة كتبتها تساعدنا على أنفسنا، ولا تشعرنا بروتين الحياة.

ومن يتأمل سيرة النبي الكريم، يجد أنه على الرغم من كثرة المشاكل حوله، لكنه كان أكثر الناس تبسما، وهذه الابتسامة ليست مجاملة، وإنما هي حقيقة، ونستطيع أن ندرب أنفسنا عليها.. فالنبي الكريم عاش معاناة كثيرة، فقد توفيت زوجته، وتوفيت بناته، عدا فاطمة، رضي الله عنها، وتوفي بعض أحفاده، وتآلبت عليه القبائل، وتعرض للاضطهاد، وأخرج من بلده أكثر من مرة، والمؤامرات تحاك ضده يوميا من المنافقين والكفار، ومع ذلك كان لديه سلام داخلي، وكان مرتاح البال، وأكثر ما يكون متبسما عليه السلام، فما هي هذه المعادلة التي عاشها النبي الكريم؟ وهل نستطيع نحن أن نعيشها اليوم؟

والجواب عن السؤال الأول، أن هذه المعادلة تقتضي إيمانا بالله وتوكلا عليه وتفويض الأمر إليه، مع العيش مع أحداث الحياة ومعاناتها ومرارتها، فهي خلطة إيمانية، انطلاقا من أبرز صفات المؤمنين (الإيمان بالقدر خيره وشره)، ولكن هذه التربية نحن لم نتلقّها، ولهذا نحتاج إلى أن نربي أنفسنا عليها.

أما الجواب عن السؤال الثاني: فنعم، نحن نستطيع على الرغم من كثرة المآسي أن نعيش بسلام داخلي وابتسامة دائمة، لأن النبي لا يعلمنا المستحيل، وإنما نتعلم منه الممكن، فلنبدأ من الآن بابتسامة ونحن نقرأ نهاية المقال.

Exit mobile version