> فوتت الأحزاب التي قاطعت الانتخابات، فرصة لا تعوَّض في رفضها المشاركة في العملية الانتخابية، وكان بإمكانها مهما كانت مخاوفها وهواجسها، أن تضيف للتجربة السودانية وامتداداتها الكثير بغض النظر عن نظام الحكم وهيمنته، لكنها آثرت أن تكون في موقف مغاير غير منتج ولا فعال. ومن الواجب نصح المعارضة الحزبية التي قاطعت. بإدراك نفسها قبل فوات الأوان. نقول ذلك، لأسباب بسيط للغاية نلخصها في ما يلي:
> من الناحية العملية لم تستطع أحزاب المعارضة، تعطيل هذه الانتخابات ووقفها، سواء أكان بما تسميه الانتفاضة الشعبية أم العمل المسلح أم التخريب، ووضح عجزها عن زحزحة الحكومة من مكانها أو إجبارها على إلغاء الانتخابات، كما أنها فشلت في جعل الشعب السوداني يقاطع الانتخابات ولا يذهب إلى صناديق الاقتراع.
> لم تنجح المعارضة ولم تستفد من مواقف بعض الجهات الدولية الرافضة للانتخابات، مثل الاتحاد الأوروبي، وبأن شللها وهوانها أنها كمعارضة لم تستثمر ذلك، بل ظنت في نهاية الأمر أنها ستكون جالسة في ردهات الفنادق والشقق السكنية في بعض دول الجوار، وتأتيها السلطة منقادة تجرجر أذيالها بعد بيانات الاتحاد الأوروبي وكندا وبعض الدول الغربية.
> اختارت المعارضة السياسية في رفضها وعدم مشاركتها، الخوض في وحل التنظيمات المسلحة والحركات المتمردة، فسوء تقديراتها ألقى بها الى القاع، فهي تعلم إن حاملي السلاح لن يعطوها شيئاً اذا تحقق مرادهم بإسقاط النظام، وبذات القدر علم أن هؤلاء لا يمكنهم إسقاط النظام بالقوة المسلحة، ولو كانوا يستطيعون لفعلوا ذلك قبل سنوات عندما كانوا أكثر قوة واتحاداً، ولديهم ظهر يحميهم وجهات تمدهم بالسلاح والمال كما كان يفعل القذافي ودول عديدة في الجوار ودولة جنوب السودان نفسها قبل أن يرتد كيدها في نحرها..
> فبدلاً من أن تختار أحزاب المعارضة التي قاطعت الانتخابات خيار المشاركة، اختارت العكس ولم تكسب منه الآن شيئاً. فالمؤتمر الوطني ومن شايعه من الأحزاب ذهب الى الانتخابات التي انتهت أيامها الثلاث بسلام كما بدأت، وستمر أيضاً في اليوم الذي تم تمديده ليكون متمماً لأربعة أيام، نجح في جعل العملية حقيقية وحشد لها عدد كبير من المراقبين الدوليين والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية التي ستعطيها صدقية كبيرة، بينما تعض الأحزاب المعارضة بنان الندم، وتلوك الحسرة القاتلة.
> لو درت أحزابنا المقاطعة أن الديمقراطية تترسخ وتنمو وتتسع بالمشاركة وخوض التجربة، لاختارت أن تصطلي بنارها حتي تحصل على نورها كما كان يقول الزعيم إسماعيل الأزهري، فالسودان في حاجة الى المحافظة على الممارسة الديمقراطية مهما كانت درجاتها او تشوهاتها، وهذه الممارسة ستنصلح مع الأيام ومع الزمن، ليس هناك ديمقراطية في العالم ولدت من أول يوم ناصعة البياض مبرأة من كل عيب، كل التجارب الإنسانية في كل المجالات تنهض وتكبو حتى تستقيم وتستوي..
> لو خاضت الأحزاب الانتخابات الحالية، لاستطاعت أن تحقق الكثير، كان بإمكانها أن تنشيء أكبر تحالف وتكتل انتخابي سياسي في تاريخ السودان لمواجهة المؤتمر الوطني، وكان لرموزها أن يحققوا الفوز في كثير من الدوائر. فلو ترشح السيد الصادق المهدي في أية دائرة في السودان في العاصمة او الولايات، لا يوجد شك أنه سيفوز ورموز حزب الأمة يمكنها أن تحقق نجاحات كبيرة وتنافس المؤتمر الوطني، في الدوائر التقليدية المعروفة بولائها لحزب الأمة، وكذلك المؤتمر الشعبي. وتوجد رموز في أحزاب المعارضة كانت ستكون نجوماً في الانتخابات لو سارت في طريق الديمقراطية. فرجل مثل إبراهيم الشيخ رغم ضآلة حزبه، إلا أنه في مناطق دار حمر وبين أهله كان سيكون منافساً قوياً، ومرشح كالفريق صديق محمد إسماعيل لا يساور أحداً الشك في حصوله على تأييد كبير في نيالا او دار بني هلبة، ومثل هؤلاء كُثر في كل الولايات من أحزاب المعارضة لهم قيمة وحيثية سياسية ووزن..
> لماذا اختارت هذه الأحزاب الانكفاء والهروب للأمام ورهن مستقبلها على الزمن أو يوم سقوط النظام الذي لا يأتي.. ضياع الفرص الثمينة هو ديدن أحزابنا السياسية.. فالديمقراطية لا تنمو نبتتها إلا بمزيد من الديمقراطية ومتوالية الفوز والفشل..