العنف الخفي

# جريمة لا يعاقب عليها القانون.. لكنها تؤذي.. يمارسه البعض ضدنا بذكاء وبرود، مهدراً كرامتنا تحت قدمي دوافعه الشريرة والغير مبررة أحياناً.. قد يكون أسوأ أنواع العنف على الإطلاق كونه قد يودي بحياتك دون أن تموت لكنه يقطر روحك قطرةً قطرة حتى تصبح كالهائم دون أن تدري من أنت في هذه الحياة.

يمعن الرجال في استخدامه ضد المرأة عبر التقليل من شأنها والنيل من كرامتها، وبالمقابل تستخدمه هي ضدهم بالتجاهل. ولعل المشكلة الحقيقية أنه يظل خفياً ويصعب إثباته لهذا يتحول لشكل من أشكال الحرب الباردة طويلة الأمد.

# ومثلما نستخدم كلمة عنف ضد الأعمال التي تسبب الأذى الجسيم أو الجراح، يمكننا أن نستخدمها هنا لفرط ما يصيبنا من آلام معنوية وقهر نفسي وإحساس بالدونية والعجز.

وقد أثبتت الدراسات الأخيرة أن الرجال أكثر الفئات استخداماً للعنف المعنوي ضد المرأه، وغالباً ما يأتي على شكل إهانات أو تنكيل أو عتاب وتقريظ أو إساءة وقد يكون تمهيداً لعنفٍ مادي لاحق يتمثل في الضرب أو الحرق أو حتى القتل. وربما يحاول الرجل حينها استفزاز المرأة بالقدر الذي يدفعها للاشتباك والعراك حتى يجد سبيلاً للنيل منها على اعتبارها تجاوزت الحدود!!

ويعرف هذا النوع من العنف المعنوي بأنه استعمال شتى أنواع الضغوط النفسية على الإنسان للسيطرة على أفكاره أو تصرفاته الاجتماعية، أو مبادئه وقناعاته الإنسانية، أو الحد من حريته والحجر على تفكيره. وبهذا يندرج تحت ذلك التعريف كل ما من شأنه الإساءة للمرأة من أنماط وممارسات بما فيها السب والشك والخيانة والتحقير والتجاهل والهجر والاستهزاء والتهديد المستمر بالطلاق والحرمان من المصروف وسوء المعاملة والاستنزاف العاطفي والاستهلاك الجسدي والتقليل من شأنها أمام الأبناء وإرغامها على ما لا تريد أو حرمانها مما تريد.. إلى جانب إطلاق التعليقات الدائمة حول مظهرها وطعامها وطريقة تفكيرها بلا رحمة.. فكم امرأة تعرفونها يقع عليها أحد هذه الأنماط؟

# والمرأة التي نعنيها ليست بالضرورة زوجة.. فبعض الرجال يمعنون في تعذيب أخواتهم أو قريباتهم، معنوياً، على اعتبار أن ذلك ضربٌ من الرجولة!! بينما الثابت أن كل من يلجأ لمثل ذلك يعاني خللاً ما في شخصيته، ولا يلجأ لذلك إلا إذا شعر بفقدان الثقة في نفسه أو الغيرة والإحساس بالدونية أمام هذه المرأة لأنها تفوقت عليه بشيء ما سواءً مهنياً أو أكاديمياً أو حتى مجرد أدبها واحترامها لذاتها أو محبة الآخرين لها!! فيلجأ – دون إرادةٍ منه أحياناً – لمثل هذه التصرفات التي تفرغ شحنات الحنق بداخله وتشعره ببعض القوة والرضا والراحة مؤقتا.

وغالباً ما يؤدي تراكم هذا العنف الخفي إلى كراهية المرأة لهذا الرجل وعدم قدرتها على الاستمرار في الاحتمال والتغاضي والصبر.. هذه الكراهية بدورها تقود للنفور والإعراض وربما التفكك الأسري شيئاً فشيئاً، إذ إن المرأة تبدأ في تحاشي المواجهة واللقاءات المباشرة تفادياً لأي تجريح أو إساءة.. حتى ينعدم التواصل والحوار ويتحول المنزل إلى خندقين في ساحة للقتال؛ أحدهما يهاجم، والآخر يدافع، دون هدنة وبلا هوادة!

# هذا بالمقابل لا يمنع أن هناك نساء عنيدات يدفعن الرجل لممارسة هذا العنف ويستحقنه، أما ما سيذكره بعضكم من أن بعض النساء أيضاً يمارسنه ضد الرجال فإنني – وإن اتفقت معكم – أظل أرى أن الرجل بقوامته وقوته قادر على الدفاع عن نفسه وحسم الأمر لصالحه لكن المرأة تبقى دائماً امرأة تدور كل حياتها في فلك الحنان والكلمة الطيبة.. وليت بني آدم يدركون.

# تلويح:

لا تعتقدوا أن سكوت بعض النساء على مثل هذا العنف المهين ضعفاً.. لكنه لون من ألوان التضحية.

Exit mobile version