لا للتفلفل والتكبُّس والنسف

في إجماع نادر قرر الشعب السوداني إيفاد أحد سباحيه إلى سيدني ليرفع رأس البلاد عاليا في الدورة الأولمبية، في عام 2000، وجاء اليوم الموعود ووقف مع زملائه على حافة حوض السباحة، في انتظار إشارة بدء السباق، وفجأة رمى بنفسه في الماء، فقرر القائمون على أمر السباق رميه خارج سيدني، لأنه ليس من العدل أن يتقدم سباح على منافسيه، قبل أن يبدأ السباق رسميا.
وبلغني أن سباحنا الهمام هذا تلقى تعليمات بأن يعود إلى السودان سباحة من استراليا، وأعتقد أن صاحبنا كان معذوراً، لأن مصادري تفيد بأنه كان تحت تأثير الفول الذي قال عنه كارل ماركس أنه أفيون الشعوب النامية، وياما حذرت العرب من عواقب الفول، وياما قلت لعرب الجزيرة إن المكبوس أو الكبسة لا تقل أضرارًا عن الفول، فمن المعروف في الدوائر الطبية أن المكبوس أو الكبسة تكبس على الجهاز الهضمي فيفش غله في الجهاز التنفسي، فيختلط الرز بالكريات الحمراء، واللحم بالبلازما، والعبارة في الدوبارة والفيل في المنديل، وتكون النتيجة حوادث شغب في الأمعاء الغليظ المتغطرس ودول الخليج تشكو من ازدياد المخالفات المرورية وبدأت تشدد العقوبات على مخالفي قوانين المرور، هذا ظلم فادح لأن مخالفي القوانين تلك ضحايا المكبوس ولو جربت تلك الدول حظر المكبوس شهرا واحدا لشاهدنا السيارات تتوقف عند إشارات المرور حتى عندما يكون الضوء أخضر، ولشهدنا الشبان يمدون رؤوسهم خارج نوافذ سياراتهم وهم يقولون لمن حولهم: أتفضل يا ولد العم.. لا والله أتفضل أنت.. أنت على اليمين أتفضل الله يطول عمرك.. وهكذا تتراكم السيارات بضعة كيلو مترات والجميع في منتهى الهدوء والذوق.
وليس سرا أننا في السودان نتجنب الخروج إلى الشوارع بين العاشرة صباحا والواحدة ظهرا، لأن معظم السائقين يكونون تحت تأثير الفول، وهم في نظر القانون غير مسؤولين عن أخطائهم، ففي القانون السوداني يعتبر إتيان جريمة بعد أكل الفول عنصر تخفيف للعقوبة، ويجدر بي أن أحذر الإخوة الفلسطينيين والأردنيين من أن التحايل بإطلاق مسميات ملتوية ومستعارة على المكبوس مثل «المنسف» لن ينجيهم من شروره، وهل نسف ما كان يسمى بالثوابت الفلسطينية إلا ذلك المنسف الذي هو في التحليل الأخير رز باللحم؟ والفارق الوحيد بين الكبسة والمنسف، هو أن إعداد المنسف يتطلب تفرغا وتبطلا تاما لعدة أيام يتم خلالها حلب النعاج وتنشيف جميد الحليب تحت الشمس في كرات صخرية ثم الاستعانة بأحد فتوات الحي لتكسير تلك الكرات في ما يسميه البدو بالتمريس ليتم طبخ اللحم في مرق الحليب المجفف الحامض، ثم يوضع اللحم ومرق اللحم بالحليب المتحجر على تل من الرز والصنوبر وتنهال عليه الجماهير فتكا، وأخطر ما في المنسف أنك لا تشبع منه فتظل تأكل من دون أن تدري إلى أين يذهب الطعام وبعد أن يصاب فكك بالإعياء تحاول القيام عن المائدة، فتعجز عن الحركة وتدرك عندها أن المنسف، وبالتالي فهو لا يقل خطورة عن القات التي يعتزم الكاتب اليمني عبدالكريم الرازحي تنظيم تداوله بموجب اتفاقية تحل محل اتفاقية الجات GAT التي تنظم التجارة والتعرفة عالميا.
والحل هو أن نواصل الاستدانة من مختلف أنحاء العالم، يعني نحن نستلف كل شيء، من الطعام إلى الصاروخ إلى مفردات اللغة، فلماذا لا نستدين أكلات الشعوب الأخرى مادامت أكلاتنا تؤثر في القوى العقلية وتلحق إضرارا فادحة بالأوزون؟ المطبخ التركي مثلاً حافل بكل ما يشرح الصدر ويوسع الكرش ومهما تنكروا لنا فهم منا وفينا وخير لنا أن نستعير منهم أكلاتهم بدلاً من أن نستعير علمانيتهم الجهلاء، وإسلاميتهم المتعلمنة.

jafabbas19@gmail.com

Exit mobile version