تنظيم “داعش” يضرب مجددا في عمق فرنسا

تنظيم “داعش” يضرب مجددا في عمق فرنسا. هذه المرة بهجوم إلكتروني على قناة فرنسية ونشر رسائل تهديد بعد اختراق موقعها. فكيف نجح تنظيم كـ “داعش” في اختراق مؤسسة إعلامية فرنسية عملاقة مثل TV5 موند؟

اختراق وصف بـ “القوي للغاية”، آخر “خرجات” تنظيم “الدولة الإسلامية” في ما يسمى بحربه الإلكترونية على من يعتبرهم أعداءه. الهدف هذه المرة شبكة تي في 5 موند (TV5 Monde) الفرنسية الدولية التي تقدم برامجها لأكثر من 200 دولة في العالم. وهذا ليس أول هجوم إلكتروني ينفذه أنصار التنظيم المعروف إعلاميا باسم “داعش” لكنه الأشهر والأكبر من نوعه حتى الآن، والأكثر إثارة للجدل.

فقد نجح التنظيم هذه المرة في اختراق مؤسسة إعلامية عملاقة من حجم TV5بعدما كان في السابق يركز على اختراق مواقع إلكترونية في وقت تسعى فيه دول غربية إلى الحد من قدرات التنظيم الإلكترونية. DW عربية حاورت خبراء في الإعلام والأمن الإلكتروني حول خلفيات هذا الهجوم وما يعبر عنه بخصوص قدرات “داعش” التقنية.

الحكومة الفرنسية وصفت الهجوم الإلكتروني الذي بدأ في وقت متأخر من يوم أمس بأنه عمل “حقير وجبان” ويستهدف حرية التعبير وبدأت في التحقيق فيه مع التعهد بملاحقة المسؤولين عنه.

وكان ايف بيجو مدير محطة (تي في 5 موند) التلفزيونية أعلن أن الهجوم تسبب في توقف بث 11 قناة بصفة مؤقتة كما أصاب مواقع تابعة لها على الإنترنت بما في ذلك حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي. وتبث الشبكة التلفزيونية أخبارا وبرامج ترفيهية باللغة الفرنسية عبر 11 قناة بأنحاء العالم ويملك التلفزيون الفرنسي الحكومي 49 بالمائة منها. وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن المتسللين نشروا وثائق على صفحة (تي في 5 موند) بموقع فيسبوك تزعم أنها بطاقات هوية أقارب جنود فرنسيين منخرطين في عمليات ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

المهاجمون نشروا رئاسل تهديد للجنود الفرنسيين وعائلاتهم.

عبد الله بن علي الصحافي الموريتاني في قناة فرانس 24 في باريس يقول إنه لا يوجد سبب واضح وراء اختيار توقيت هذا الهجوم، ولكنه متوقع باعتبار أن تنظيم “داعش” يعتبر فرنسا من أبرز أعدائه بسبب مشاركتها المهمة في التحالف الدولي ضده. ويضيف في حوار أجرته معه DWعربية قائلا: “الهجوم يأتي بعد شهرين من هجمات شارلي إيبدو التي تبناها التنظيم، إذ من الواضح أن داعش يشن حملة على فرنسا. الهجوم يتصادف أيضا مع إطلاق تي في 5 مؤخرا لقناة جديدة تروج لأسلوب الحياة الفرنسية في دول شمال إفريقيا ودول آسيوية وهو أسلوب غربي يتعارض مع النمط الذي يتبناه التنظيم”.

وقبل حوالي شهرين فوجئ متابعو حساب صحيفة لوموند الفرنسية على تويتر بتغريدات غريبة بعد أن تم اختراقه من طرف ما يسمى بـ “الجيش السوري الإلكتروني” الموالي للنظام السوري. ويأتي هذا الاختراق بعد حوالي ثلاثة أشهر من هجمات صحيفة شارلي إيبدو التي أدت إلى مقتل 12 شخصا.

وتشارك فرنسا في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي يشن غارات على تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي يستولي على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، لكن باريس اقتصرت هجماتها على العراق فقط.

كلفة الاستثمار في الأمن الإلكتروني

وعن ما إذا كان السبب في نجاح هجوم أنصار “داعش” على القناة الفرنسية مقصرة في احتياطاتها الأمنية، يقول بن علي “لا أعتقد، وإنما يعود الأمر للقدرات التقنية الفردية التي يتمتع بها منفذو الهجوم فداعش يتوفر على مهندسين وأشخاص موهوبين في هذا المجال”. أما الدكتور عمار بكار المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة نعم للإعلام الرقمي (Digital 2 Yes) في مدينة دبي للإعلام فيعتبر أن القناة مقصرة وفي نفس الوقت ليست مقصرة.

ويشرح بكار ذلك في مقابلة أجرتها معه DWعربية بالقول “من خلال التجارب والهجمات التي نفذتها مجموعات هاكرز في السنوات القليلة الماضية لاحظنا أن كل موقع مهما بلغت درجة التحصين الأمني فيه معرض للاختراق. هذه المؤسسات المخترقة مقصرة لأن الخطأ دائما يأتي من الجهة التي تم اختراقها لأنها لم تتخذ ما يكفي من الاحتياطات اللازمة، والسبب في ذلك هو أن المؤسسات عادة لا تستثمر بشكل كبير في ما يعرف بالأمن الإلكتروني بالقدر الذي تستثمر فيه مؤسسات معينة مثل البنوك والمؤسسات المالية والأمنية مثلا، وبالتالي نادرا ما نسمع عن اختراق بنك أو النظام الداخلي لجيش دولة”.

ويعزو بكار السبب في ذلك إلى أن الاستثمار في مجال الأمن الإلكتروني مكلف للغاية. ويضيف أن “المؤسسات الإعلامية لا تستثمر بشكل كبير في هذا المجال لأنها تخصص أكبر جزء من موازناتها لأمور أخرى، وفي الوقت نفسه هي مستهدفة أكثر من غيرها بسبب الصدى الإعلامي الكبير الذي يخلفه اختراقها كما رأينا اليوم، وبالتالي فداعش يستغل هذا في حربه النفسية الإعلامية”.

ومنذ تأسيس تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي أعلن عن إنشائه دولة خلافة في سوريا والعراق، بدا واضحا تركيزه بشكل كبير على الجانب الفني والتكنولوجي سواء من حيث جودة الفيديوهات التي ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي أو حرصه على اختراق مواقع إلكترونية تابعة لأعدائه ونشر رسائله عبرها، وهو ما يرى فيه البعض إحدى أهم وسائل التنظيم في استقطاب أنصار جدد.

الاختراق يأتي بعد حوالي 3 أشهر من هجمات شارلي إيبدو.

“هجوم بأهمية عملية إرهابية”

ويقول بكار “داعش قد يكون باعتقادي أول كيان إرهابي في التاريخ يستثمر في الجانب الإعلامي بهذا الحجم. ولدى التنظيم قدرة على خطف الأضواء. وتندرج هذه العملية في هذا السياق. فإذا لاحظ التنظيم أن صداها الإعلامي كبير فسيحرص على تنفيذ هجمات مماثلة مستقبلا”. ويركز الخبير السوري في الإعلام الرقمي على أن اهتمام الإعلام بهجمات “داعش” الإلكترونية يلعب دورا في مواصلته فيها “بدليل أن ما يسمى بالجيش السوري الإلكتروني لما قام باختراق عدة مواقع إلكترونية منها مواقع تابعة لوسائل إعلام أميركية مرموقة واصل ذلك طيلة الفترة التي اهتم فيها الإعلام بذلك لكن بمجرد ما خفت صدى هذه العمليات إعلاميا توقفت”.
مختارات

وهو ما يتفق معه الصحافي بن علي إذ يقول “تأثير الهجوم الأخير لا يقل باعتقادي عن مردود عملية إرهابية أو عملية خطف، فكل هذا يجعل التنظيم يتصدر صفحات الجرائد ونشرات الأخبار ويستأثر باهتمام العالم وهذا ما يسدي خدمة كبرى لما يعتبره داعش قضيته”.

وعما إذا كان هذا الهجوم يعطي صورة عن حجم قدرات “داعش” في المجال الإلكتروني يقول بكار “معظم مجموعات الهاكرز هم أفراد متعاطفون مع بعضهم البعض ويعملون من بيوتهم. متميزون في قدراتهم التقنية ويستثمرون وقتا طويلا جدا في البحث عن خلل أو ثغرة في كيان معين لاختراقه”. ويضيف الخبير السوري أنه لا يوجد هناك دليل حتى الآن على أن هناك عملا إلكترونيا منظما باسم “داعش”. فهذه “المجموعات تبدو موحدة لكنها تخدم مصالح مختلفة ولا يمكن بالضرورة اعتبار من نفذوا هذا الهجوم إرهابيين في صفوف داعش، إذ ربما يكونون مجرد متعاطفين معه”.

DW

Exit mobile version