> تمثل الانتخابات الحالية اختباراً حقيقياً للأحزاب السياسية وفي مقدمتها المؤتمر الوطني، ففي الوقت الذي تستعر فيه حمى العملية الانتخابية في الولايات وتخف في العاصمة وبعض المدن الكبيرة، يتخوف عدد من المتابعين للشأن السياسي من ألا يكون الإقبال عليها كما هو متوقع أو يفوق انتخابات 2010م، والمشفقون عليها يضعون أياديهم على قلوبهم مخافة أن تأتي نسبة المشاركة متدنية، غير أن الأحزاب المشاركة وفي مقدمتها الحزب الحاكم تبدو موقنة بأن النسبة المئوية من مجموع المسجلين المقترعين ستكون مفاجئة وضخمة.
> ومن الإنصاف القول إن الزخم الانتخابي في كثير من الدوائر الجغرافية تصاعد وتكاثف بقوة، إلى درجة أن الحزب الحاكم فصل مئتي مرشح من قياداته ترشحوا مستقلين في الدوائر الجغرافية القومية والولائية، ولولا الشعور بالمنافسة القوية وخشية فوزهم ووجود تأييد لهم داخل قواعد الحزب لما تم فصلهم بنص اللائحة. وفي هذه لا بد من القول إن السبب ليس خروج هؤلاء وغيرهم على المؤسسة الحزبية، إنما بسبب الطموح السياسي المتعاظم والشعور المتنامي لدى كثير من القيادات السياسية بأنها أحق من غيرها وأنسب في تمثيل القواعد، وغلبت المطامع الشخصية على الخلافات بالرغم من أن عمل الكليات الشورية الولائية ولجنة الانتخابات المركزية في المؤتمر الوطني تسببت هي ذاتها في هذه المواقف، فأخطاء الولاة والكليات الشورية الولائية في اختيار المرشح المناسب جرَّت كل هذه التبعات والقرارات القاسية التي تم اتخاذها حيال هؤلاء المرشحين المستقلين.
> وقبيل الصمت الانتخابي الذي يبدأ بعد يومين، يلاحظ أن الأحزاب السياسية المشاركة فيها، لم تقم بواجباتها كما ينبغي في الدعاية والحملات المصاحبة للعملية الانتخابية نفسها، فالمؤتمر الوطني اكتفى في أغلب الأحيان بالتحركات والزيارات في إطار حملته الدعائية التي يقوم بها رئيس الحزب المشير عمر البشير لولايات السودان المختلفة، واستطاع الحزب تحريك جماهيره وملء الساحات وصناعة الأجواء الانتخابية التي يريدها، وظهرت بدعة اللقاءات الصالونية كتعويض عن الليالي السياسية والندوات التي تعطي الانتخابات نكهتها وطعمها ومذاقها وحيويتها.
> فقبل أن تصمت الأفواه والحملات الدعائية، نستطيع أن نعرف ما هو الحزب الذي تواصل مع الناخبين ووصل إليهم، ويمكننا أيضاً بناءً على ذلك معرفة اتجاهات الرأي العام والمزاج الانتخابي للناخب، فإذا كانت العامة والأكثرية الراغبة في الذهاب للتصويت، ترى أن المؤتمر الوطني أفضل الخيارات المطروحة ورئيسه البشير هو الأوفر حظاً والأقدر على قيادة البلاد في المرحلة المقبلة، فإن النتائج المتوقعة لن تكون مخالفة للتوقعات.
> أما التحدي الشاخص في هذه اللحظة، فهو كيف يستطيع الأربعة وأربعون حزباً الذين اختاروا نزول الحلبة الانتخابية، تحريض وحشد الجماهير في مرحلة الاقتراع منتصف الأسبوع المقبل، وسط مشاركة واسعة لعدد من المراقبين الدوليين والإقليميين والمحليين؟ فمسؤولية الأحزاب المشاركة أن تبرهن أنها تملك الجماهير وستنجح في تحشيدها، وقادرة على جعل المواطنين يتدافعون على مراكز التصويت في كل ولاية ومحلية ووحدة إدارية وقرية وفريق ونجع وصقع.
> ومطلوب من كل الخائضين معترك الانتخابات، أن يفلحوا في إخراجها بالصورة التي تضمن رسوخ تجربتها، وتجبر المراقبين على إعداد تقارير عادلة حول نزاهتها وشفافيتها ونجاحها، فالعالم كله يترقب ما يتمخض عنها، ولا يهم كثيراً عدم تأجيل إجراء الانتخابات في سبع دوائر بولاية جنوب كردفان، فالانتخابات النيجيرية التي أُجريت الأسبوع الماضي هناك ولايات بأكملها كانت خارج العملية، ويقدر عدد الناخبين فيها بعشرات الملايين من سكان ذلك البلد، ولم تصل نسبة التصويت إلى المعدلات الفائقة، ورغم ذلك تم الاعتراف بالنتائج وتمت الإشادة بها.