لم يحدث قريباً، أن اتفق عدد كبير من الكُتَّاب الصحفيين على أمرين في قضية واحدة، وفي يوم واحد خرجت فيه الصحف على هذا التطابق التام.
أجمع كل الكُتَّاب الذين تناولوا التصريحات المنسوبة للفريق محمد بشير سليمان، في حق الدكتور غازي صلاح الدين واتهامه بأخذ أموال من الاتحاد الأوروبي على نقطتَيْن:
الأولى / أن دكتور غازي صلاح الدين فوق الشبهات، وهو من أكثر السياسيين استقامة على جادة النزاهة.. وأجمل توصيف وتلخيص للشهادات ما أدلى به الصديق عبد الماجد عبد الحميد حينما كتب أمس على هذه الصفحة:
(غازي من قِلَّةٍ في تاريخ الإسلاميين الحديث، لم يشبع من الحلال، ناهيك أن تمتد يده لاستلام لعاعة من زيف الدنيا الكذوب)!
الثانية/ أن دكتور غازي، جانبه الصواب، حينما اختار تكوين حزب سياسي عماده الغاضبون والمغضوب عليهم داخل المؤتمر الوطني.
مجموعة أخرى داخل جماع الآراء المتفقة على مناصرة غازي، مضت في اتجاه نقد السلوك السياسي للفريق سليمان، بالقول إن الرجل جديد عهد بالسياسة، لا يعرف فيها ما يُضرُّ وما ينفع، من قول وعمل ومواقف.
الغريب أن الفريق محمد بشير سليمان، بحسب شهادات استمعتُ إليها من عدد من زملائه في العسكرية، يُعتبر من الكفاءات المتميِّزة في المجال العسكري، في بعديه الميداني والأكاديمي.
ربما شعوره بالتميُّز في المجال العسكري، أصابه بالغرور؛ فأصعب عليه التعامل بتواضع في العمل السياسي المحكوم بقواعد ومبادئ وأعراف في أغلبها متناقضة مع محددات العلاقات في المجال العسكري.
والراجح لديّ، أن الفريق سليمان الذي أخرج بياناً أمس، نفى فيه ما نُسِبَ إليه من قول واتهامات في حق غازي العتباني؛ فوجئ بردود الفعل الواسعة والمُستهجِنة لحديثه، والمؤازرة لغازي؛ فلم يكن أمامه من خيار سوى التنكِّر لما قال، وإلقاء عبء المسؤولية على الصحفي الناقل (في صمة خشمو).
لو أن الصحيفة نسبت للفريق سليمان تلك الاتهامات الخطيرة، زوراً وبهتاناً، لما انتظر الرجل لأكثر من 48 ساعة، حتى ينفي ما نُسِبَ إليه من قول يمسُّ ويجرح سمعة رجل معروف بالنزاهة وبياض ونصاعة الجلباب.
كان بإمكان الفريق أن ينفي عن نفسه ما جاء على لسانه في الصحيفة المعنيَّة، في ذات يوم النشر، قبل أن يكتب الكُتَّاب، ويضطر دكتور غازي لإصدار بيان يُقسم فيه قسماً مغلظاً، بأنه لم يستلم ولا قرشاً واحداً من الاتحاد الأوروبي أو غيره!
رُبَّ ضارة نافعة. ما حدث يوفر فرصة مناسبة للرجلَيْن، لاتخاذ قرارَيْن مُهمَّيْن:
الفريق محمد سليمان، لعل التجربة تكون كافية لإقناعه بأنه لا يصلح كسياسي، لا في المؤتمر الوطني ولا في الإصلاح الآن، ولا في حزب كاديما الإسرائيلي!
أما الدكتور غازي، فإن ما حدث وما يُتوقَّع حدوثه بالاستقراء والتوقع، ينصحانه بضرورة البحث عن مخرج آمن، ومُخارجة أخلاقية من ورطة حزب مُفخَّخ بالمفاجآت غير السارة، اسمه الإصلاح الآن، أُسِّسَ على عجل غضوب!