اشتهر المجتمع السوداني منذ القدم بالتسامح والتماسك، يشد بعضه البعض في السراء والضراء، ويتميز دون غيره من المجتمعات بالقوة والحزم والنخوة والصلابة، لكن ما إن ظهرت الوسائل التكنولوجية التي انتشرت بشكل واسع، حتى ظهرت على سطحه العديد من المظاهر السالبة التي دمرت نسيج المجتمع السوداني.
وتنامت السخرية بشكل واضح وكبير، وبات المجتمع يسخر من كل شيء حوله، ووصل الأمر حد السخرية من بعضنا البعض سواء أكان بالنكات أو التقليل من قيمة بعضنا البعض والاستهزاء من الآخرين، لماذا؟ وما هو دافع ذلك؟
سلوك مجتمعي خطير
يقول أستاذ العلوم الاجتماعية د. حسين عبدالرحمن، إن السخرية من المظاهر السالبة التي شهدها المجتمع مؤخراً، من خلال تقليد الأفعال والتصرفات، التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالازدراء وتحقير الناس، لذا هو سلوك مجتمعي خطير. وصنف بعض العلماء سلوك الناس الذين يميلون للسخرية بصورة مستمرة، على أنها حالة مرضية، ويسعى المريض من خلالها لإخفاء بعض المشكلات التي يعاني منها عن طريق التأثير السلبي على الآخرين.
وأشار د. حسين إلى أن الشخص الساخر دائماً ما يلجأ إلى الأسلوب الاستفزازي والتشفي، وإطلاق الألقاب أمام الآخرين، وتابع غالباً ما تمس السخرية النوع أو الجنس أو اللون أو الهيئة أو النسب أو الحالة الاجتماعية والاقتصادية، الناتجة من عدم التقدير والاحترام بين الناس في أشخاصهم أو آرائهم.
مؤذية للمشاعر
وحذَّر أستاذ علم الاجتماع من مغبة انتشار السخرية واعتمادها في الحياة بشكل أساسي، لأنها مؤلمة وتؤذي مشاعر الإنسان بشدة، وبالتالي تنشر الحقد وتعمق البغضاء في النفوس، فضلاً عن انتشار الآثار السالبة وسط المجتمع السوداني التي ضربت تماسكه في مقتل، ونجد أنفسنا ندخل في مشكلات نحن في غنى عنها. ونصح د. حسين بالتعامل مع السخرية ببرود، ومواجهتها بالهدوء والقوة والتماسك النفسي والوجداني، دون إظهار أي مظهر من مظاهر الضعف حتى لا يعطي الساخر أي فرصة للتمادي في فعله، وحسمه بطريقة صارمة ونهائية حتى لا يعود لفعلته مرة أخرى، غير أن الدين الإسلامي نهى السخرية، وقال إن التزامنا بالقيم الدينية والأخلاقية واحترامنا لبعضنا البعض هو ما يعضد علاقاتنا الاجتماعية، كما أنه يساعد على التقليل من هذه الظواهر السالبة على المجتمع.
مركب نقص
فيما أشارت اختصاصية علم النفس والاجتماع سلافة بسطاوي، إلى أن الساخر شخص ليس له القدرة على تحقيق ذاته أو مد الآخرين بالمبادرة أو الطرح الذي يثبت وجوده وراءه، ووصفته بـ (المكابر)، مؤكدة أنه يعاني من مركب نقص يخفيه بسخريته من الآخرين، وليس له عطاء، فضلاً عن أنه يحاول باستمرار استغلال الناس بمفاهيم قاصرة. ولفتت سلافة إلى أن الساخر دائماً ما ينظر للنصف الفارغ من الإناء، من خلال الإسقاطات السالبة التي تعرض لها أثناء حياته، فجعلته ينظر إلى الأشياء الإيجابية بسلبية. وأضافت: غير أنه شخصية متشككة لدرجة أنه لا يعترف بإمكاناته، وفاقد للإحساس تماماً. وفي السياق قالت الاختصاصية النفسية: ينبت في نفس المسخور منه عدم الاحترام لكل ما قال أو فعل، ويتعمق داخله بعدم التقدير والاحترام، فيتسلل إلى نفسه الإحباط، الذي يبعده تدريجياً عن الاستعانة بالآخرين أو محاولة إشراكهم في مخططاته خوفاً من سخريتهم وتهكمهم عليه، فيلجأ إلى فعل أشيائه في الخفاء ومن خلف الجدران. وأكدت أن عدم احترام الآخرين وتعميق الدونية بداخله يضعف من قدراته وإمكانته، لذلك طالبت سلافة بالمقولة “كن جميلاً ترى الوجود جميلا”، حتى يتمكن الشخص من النظر لنفسه وللآخرين بإيجابية. وقالت “لابد للشخص أن يكون بناء وإن كان بإمكانه تقديم المفيد فليفعل، وإن لديه المزيد فليعطي، حتى يعزز الثقة في نفسه، ويفرض الأشياء بقوة شخصيته ومهاراته وفكره إزاء الآخرين بعد صقله”.
اليوم التالي