لندع استقالة الوزيرة، سعاد عبد الرازق، جانباً طالما لم توفِ بوعدها الذي قطعته عقب حادثة الريَّان الشهيرة، مجرد استفسار موجه للوزارة، ماذا بشأن التقرير الذي أصدرته الوزارة نهاية العام الماضي. التقرير أظهر انخفاض معدلات الاستيعاب بالمدارس الثانوية إلى 38.8% خلال عام 2013، رغم أن التقرير لم يُشر إلى آخر معدل استيعاب، لكن يبدو أن الفرق ليس كبيراً،38 بالمائة نسبة أكثر من مقلقة وتقودنا مباشرة إلى المشكلات التي اتفق بشأنها الجميع في قطاع التعليم ابتداءً من المناهج وانتهاءً بالتدريب بالنسبة للمعلمين، مشكلات العملية التعليمية المتجذرة والتي برزت نتائجها المحبطة بشكل أكثر وضوحاً خلال الــ 15 عاما الأخيرة انعكست بشكل لافت على كافة القطاعات وجميعها تكاد تقولها واضحة أن هناك خللا كبيرا في العملية التعليمية ترجع إليها مجمل المشكلات
تراجع الاستيعاب أمر خطير وربما للوهلة الأولى يُفهم منه أن هناك ثمة مشكلة في عقول التلاميذ، لكن قطعاً المشكلة الحقيقية في المادة العلمية المقدمة والتي تتلقاها عقول التلاميذ، هل هي قابلة للفهم والاستيعاب وتستحق ذلك أم هي حشو؟، وإن كانت المادة المقدمة مجرد حشو لأجل الحفظ قطعاً سوف تتراجع نسبة الاستيعاب، ببساطة المناهج الموضوعة تكاد تفرغ من مادة معرفية يحتاجها طالب العلم، التراجع الحاد في الاستيعاب مقروء كذلك بالتحصيل الأكاديمي المنتفخ في أرقامه ونحيل في القيمة العلمية المطلوبة.
تذكرون مؤتمر التعليم، توصياته لم تزل قابعة في أدراج المكاتب. التوصيات التي ظل يرفعها الخبراء بأهمية تغيير المناهج لا تزال مجرد توصيات، صمتت الوزارة إلا بشأن إضافة عام جديد لإعادة السلم التعليمي إلى ما هو عليه، أضافت الوزارة عاماً تاسعاً لمرحلة الأساس لكن خبراء انتقدوا المعالجة لأسباب تربوية، لم تبت الوزارة بعد في شأنه. غير أن قضية المناهج تظل المحور الإستراتيجي والأساسي في العملية التعليمية ككل، تقريباً هناك شبه إجماع بشأن ضعف جدوى المناهج الحالية، بل إن إقرارات عديدة بشأن ما أطلق عليه بعض منظري ثورة التعليم العالي بأنه مجرد “حشو”.
القضية الأهم الميزانية التي تخصصها الدولة لقطاع التعليم باعتباره ليس أولوية وهي معلومة للجميع. آخر التقارير الدولية أكدت أن السودان الأضعف أفريقياً وعربياً في الصرف على التعليم، حيث يصرف السودان من ميزانيته ما نسبته1%، ولم يتحرك السودان من هذه النسب الضئيلة، ميزانية السودان 2014 م خصصت 2 مليار جنيه للتعليم والصحة والزراعة. بينما خصصت الميزانية أكثر من 11 مليار جنيه لقطاع الدفاع والأمن والشرطة، ومن النظر إلى الأرقام المخصصة لكل قطاع مؤكد النتيجة واضحة وضوح الشمس. إن كان الوضع جملة يحتاج إلى ثورة حقيقية لأجل التغيير المنشود، فالتعليم وحده يحتاج عشرات الثورات لأن ما حُقنت به عقول أجيال كاملة لن يؤثر فيه التغيير السياسي، العملية التعليمية هي الأساس.