أشفقُ والله وأخشى أن تطول التعديلات الوزارية المتوقعة خلال الأيام القادمة رجلين في حكومة ولاية الخرطوم، هما بروف مأمون حميدة الذي أنجز ما تُباهي به الولاية، بل وما تفخر به حتى الحكومة المركزية، ود. عبد المحمود النور وزير التربية الذي عاصرت إدارته لشأن التعليم في وزارته من خلال إشرافي على أو رئاستي لأربعة مجالس تربوية، مكنتني من الاقتراب منه ومعرفة جوانب مختلفة من شخصيته وقدراته القيادية الكبيرة.
حين فجرت (الصيحة) قضية المدرسة الوهمية المسماة بالريان، لم يدر بخاطري أن أحمل الرجل المسؤولية عما حدث، فقد أعمتني عين الرضا عن الربط بينه والمشكلة التي أعلم أنها قديمة ومتجددة وما كان من الممكن للرجل أن يحيط بغابة التعليم الخاص في الأشهر القليلة التي تولى فيها أمر الوزارة، لكن ما حدث سيمكنه بالقطع من تسريع وتيرة الإصلاح التشريعي والإداري في التعليم الخاص، وأقولها بصدقٍ إن أكثر ما لفت نظري في الرجل إحساسه بقيمة الزمن، فلا اجتماع عنده مفتوح بلا سقف زمني كما أن قدرته على تحديد مخرجات الاجتماعات واللقاءات (من الآخر) لا تجارى هذا، فضلاً عن قدراته التعبيرية المميزة، وأهم من ذلك كله حسمه وقراره الناجز.
بروف مأمون وعبد المحمود يقدمان دليلاً عملياً آخر على أهمية توسيد الأمر إلى أهله باختيار التكنوقراط، أما تغليب الجوانب السياسية والجهوية على الجوانب المهنية فإنه يعبر عن عمق المأساة التي تحيط بالمشهد السياسي في السودان.
كتبتُ من قديم بعد تعيين مأمون حميدة، وتنبأت له بنجاح باهر، فالرجل الذي تولى إدارة جامعة الخرطوم وعمادة كلية الطب وإنشاء مؤسسات علاجية بل وجامعة منحها من نفسه وعلاقاته مكانة واحتراماً في الخارج، بل وصاحب المبادئ الذي رفض تطبيق بعض سياسات التعليم العالي التي حاول بعضهم أيام (الهيجان الثوري) تنزيلها على جامعة الخرطوم يملك من الإرادة والعلم وقوة الشخصية والإحاطة بالقطاع الصحي والطبي ما يمكنه من النجاح، سيما وأن الرجل لم يأتِ إلى المنصب متوسلاً كما يفعل من يهدرون كرامتهم تهافتاً على السلطة، إنما أتته الوزارة تجرجر أذيالها بعد (تحنيس) وهرولة نحوه يستحقها وزيادة.
مشفق أنا والله أن يغادرنا الرجلان عبد المحمود ومأمون قبل أن يكملا ما بدآه من ثورة في مجاليهما، زادت للأسف الفجوة أو الهوة بين الخرطوم وبقية الولايات.
نصيحة أبذلها لوجه الله تعالى إن كان لا بد من تغيير البلدوزر مأمون حميدة فاقترح أن ينقل إلى وزارة الصحة الاتحادية حتى يمنحها شيئاً من علمه وقدراته وخبراته مع منحه دوراً تنفيذياً في الولايات، حتى ولو اقتضى ذلك تعديلاً تشريعياً.
الذهب بين الكاروري وجورج كلوني
قبل أن أكتب عن الوزير الكاروري أرجو أن أشير إلى المقال بل البحث (المخدوم) الذي خطه يراع الدبلوماسي المبدع خالد موسى الذي أتوق لقراءة ما يكتب أسبوعياً، فقد نفحنا بمقال رائع بعنوان (حرب الذهب.. المعركة القادمة ضد السودان) بين فيه جزءاً من الاستهداف الذي يحيط بالسودان من تلقاء صقور المحافظين الجدد، ومن بعض أصحاب التأثير في القرار الأمريكي من أعداء السودان ومن بينهم الناشط جون بريندر قاست عضو الكونجرس المتخصص في شن الهجمات على السودان، والذي قال (عليكم بوقف تصدير الذهب لأنه المصدر البديل للعملة الحرة للسودان بعد توقف ضخ البترول سيما وأن البنك الدولي يقدر عائدات السودان من تصديره بمبلغ 1.3 مليار دولار في عام 2014م).
العدو الثاني للسودان هو منظمة (كفاية) التي تضم مجموعة من الحاقدين على بلادنا من قديم، ومن بينهم لو تذكرون روجر ونتر مستشار حكومة الجنوب والذي ظل يرعى حملة العداء من داخل أمريكا ومن أروقة الحركة الشعبية منذ أيام حرب قرنق على السودان، وممن كتبوا من منظمة كفاية في شأن الذهب السوداني الناشط أشكيا كومار الذي شارك النجم السينمائي جورج كلوني المعادي للسودان والذي ظل يزور جنوب كردفان وجنوب السودان للكيد والحرب على بلادنا، ويستغل نجوميته للتربص والضغط من أجل تضييق الحصار على السودان .. أقول إن كومار شارك كلوني في كتابة مقال ينضح بالحقد ويمتلئ بالسم الزعاف في الصحيفة الأشهر (النيويورك تايمز) حيث ردد الرجلان المزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان في قرية تابت وغيرها، ثم انتهيا إلى ضرورة حض المجتمع الدولي للضغط على معارض الذهب والبنوك الدولية ومراكز دبي ولندن لوقف شراء الذهب.
المقال طويل أحببت أن أورد جزءاً منه لكي أتحدث عن أن الذهب أصبح محط اهتمام أعداء السودان من الذين يتابعون التطور الكبير في إنتاجه، فقديماً كانوا يهتمون بالبترول لمنع تأثيره الإيجابي على الأوضاع الاقتصادية للسودان، أما اليوم فقد تحولوا إلى الثروة الجديدة (الذهب).
أتابع باهتمام شديد ما يحدث في شأن إنتاج الذهب الذي بات يشغل الأعداء، وأعلم أن الوزير ابن الشيخ الزاهد محمد صادق الكاروري يبذل جهداً مقدراً في سبيل الصعود بالسودان إلى مصاف العظماء في إنتاج هذه السلعة العالمية الخطيرة، يسعفه زهد يستعصي على الاختراق وهل يستعصى شخص على إغراء الذهب إلا أصحاب المعادن الصُلبة؟.
إن أكثر ما يطمئنني في الكاروري الذي أخشى أن يجتاحه التعديل الوزاري الذي كثيراً ما تمليه ضرورات المحاصصات القبلية والاسترضاءات السياسية على صانع القرار.. أكثر ما يدعونني إلى المطالبة بمنحه فرصة كافية، إنه قد بدأ بجهد مقدر حارب فيه الفساد وتلمس فيه خطوات الانطلاق نحو المستقبل بخطة ستضع السودان إن شاء الله في خريطة الكبار في سلعة الذهب.