«تصريحات انقلابية» و خطيرة لأوباما بشأن دول الخليج

في تصريحات غير مسبوقة قد تزيد من اتساع الهوة بين الجانبين، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما نيته إجراء حوار مع دول الخليج، سيعلن خلاله تقديم «دعم أمريكي قوي ضد الأعداء الخارجيين»، لكنه سيشترط عليهم «معالجة التحديات السياسية الداخلية، وخاصة الانتهاكات الفظيعة لحقوق الانسان».
وقال في حديث لـ «نيويورك تايمز» مع الصحافي المعروف توماس فريدمان أن أكبر خطر يهدد الدول العربية ليس التعرض لهجوم محتمل من إيران، وإنما «الغضب داخل بلادهم، لاسيما من قبل الشبان الغاضبين والعاطلين، والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم».
واضاف أنه يريد أن يناقش مع الحلفاء في الخليج كيفية بناء قدرات دفاعية أكثر كفاءة، وطمأنتهم على دعم الولايات المتحدة لهم في مواجهة أي هجوم من الخارج، وأضاف «هذا ربما يخفف بعضا من مخاوفهم ويسمح لهم بإجراء حوار مثمر بشكل أكبر مع الإيرانيين».
انها المرة الاولى التي يعتبر فيها رئيس امريكي ان دول الخليج تواجه خطرا وجوديا من داخلها، نافيا «شبح الخطر الخارجي» الذي طالما ضخمته الولايات المتحدة لتبرير الحصول على صفقات اسلحة بعشرات المليارات منها.
كما انها المرة الاولى التي يوجه فيها انتقادا بهذه «الصراحة» الى اوضاع حقوق الانسان في تلك الدول، ناهيك عن ان يحذرها بشكل مباشر من «غضب الشباب» على بقاء انظمتها، اذا لم تقم باصلاحات سياسية.
وتأتي هذه التصريحات لتصب زيتا على نيران الغضب المشتعلة بالفعل في دول الخليج اثر ابرام الاتفاق النووي بين ايران والدول الكبرى الست بزعامة واشنطن في لوزان الاسبوع الماضي. ولاشك في ان كثيرين في الخليج سينظرون اليها باعتبارها «التصريحات الخطأ في التوقيت الخطأ»، الا ان هذا لا يجب ان يمنعهم من استخلاص الرسائل المهمة التي تبعثها، ومنها:
اولا- ان الولايات المتحدة لا تنوي الاستمرار في لعب دور «شرطي الخليج» الذي مارسته لنحو اربعين عاما، بعد ان تبدلت المعطيات الاستراتيجية في الاقليم، خاصة مع تحول ايران الى قوة نووية. واذا كانت ادارة اوباما امتنعت عن الرضوخ للضغوط الاسرائيلية للدخول في مواجهة عسكرية مع ايران، فالاجدر انها لا تنوي ان تفعل هذا من اجل اي دولة عربية.
ولعل الحرب الدائرة حاليا في اليمن تقدم الترجمة العملية لهذه الرسالة، اذ لم تجد المملكة العربية السعودية في ساعة الجد الا نفسها وعمقها العربي والاسلامي للاعتماد عليه، عندما كاد الحوثيون ان يشكلوا تهديدا مباشرا لامنها.
ثانيا- تكشف تصريحات اوباما ان الدول الخليجية كانت تستند الى «شعور زائف بالامن» طوال العقود الماضية، وهو ما اسهم غالبا في تقاعسها عن بناء جيوش قوية، مكتفية بعقد صفقات اسلحة حديثة كانت تهدف اساسا الى مكافأة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وليس المساهمة في بناء قدرات دفاعية حقيقية. في حين تمكنت ايران خلال الفترة نفسها، من تحقيق توازن استراتيجي اقليمي مع امريكا واسرائيل.
اما المفارقة فهي ان الرئيس الامريكي مازال يعطي لنفسه الحق في ان يقرر ما يجب على دول الخليج ان تفعله، اذ نصحها باللجوء الى الحوار مع ايران بعد ان تساعدهم ادارته على تعزيز قدراتهم الدفاعية، وهو ما يعني غالبا بيع المزيد من الاسلحة.
ثالثا- لم يوضح اوباما الاسباب التي جعلته يسكت في الماضي عما اسماه بـ «الانتهاكات الفظيعة» لحقوق الانسان في دول الخليج، الا اذا كان اكتشف وجودها او خطرها على انظمة هناك فجأة(..). ومن البديهي ان يسأل المراقب كيف يمكن وصف الانتهاكات التي ارتكبتها الولايات المتحدة في بلد واحد مثل العراق، وهي الكفيلة بأن تجعلها آخر من يحق له اصلا ان يتحدث عن حقوق الانسان؟ الشاهد ان تصريحات اوباما ينطبق عليه المثل العربي «جاء ليكحلها فاعماها»، ويجب على الزعماء الخليجيين ان يرفضوا الدعوة التي قد يوجهها اليهم للقائه في منتجع كامب ديفيد، اذ من الافضل ان ينفقوا وقتهم في بناء قوتهم الذاتية، بعيدا عن اوهام «الحماية الامريكية».
اما بالنسبة الى المطالبة باصلاحات سياسية وحقوقية التي وردت في تصريحات اوباما، فهي حق اريد بها باطل، اذ انها كانت ومازالت ضرورية لاسباب حقيقية وطنية تتعلق بمصلحة الشعوب والانظمة الخليجية في آن، وليس لأن سيد البيت الابيض قرر ان يستخدمها لتبرير هذا السلوك الامريكي المزمن والمشين في التخلي عن الحلفاء، والذي لم يكتشفه العرب بدورهم الا متأخرا.


القدس العربي

Exit mobile version