وحدها قطع من البلاط الاخضر تدل على ان البيت الاشهر لمعمر القذافي كان قائما في هذا المكان قبل ان تحيل الثورة معظم ابنية مجمع باب العزيزية في طرابلس الى ركام، وحصونه في مناطق اخرى الى سوق للحيوانات.. ومكب للنفايات.
البيت الذي قصفته طائرات أمريكية في العام 1986 اختفى تماما وبقيت اجزاء فقط من ارضيته الخضراء. امامه آثار السراديب والانفاق التي تقول روايات سكان العاصمة الليبية انها كانت تصله بالمطارات والثكنات ووسط المدينة.
وحتى نصب القبضة الذهبية التي تسحق طائرة امريكية امام “بيت الصمود” الذي ظل يحمل اثار الغارات عليه، ازيل من مكانه ونقل الى مدينة مصراتة الواقعة شرق طرابلس والتي تعرضت لحصار طويل اثناء الثورة.
وقال عادل محمد فارينة مدير العلاقات العامة والاعلام في وزارة السياحة في الحكومة التي تدير طرابلس “كان هذا الموقع رمزا لحقبة القذافي واليوم دمر هذا الرمز. تم هدمه وسوي بالارض”.
واضاف “لم يكن معقولا ان يتحول هذا المنزل الى متحف لانه لا يمكن ان نقيم متحفا لحقبة سوداء كهذه. قد نذكرها بفقرة بسيطة في بعض المراجع والكتب، لكن ان يبقى كما هو، فلا”.
وليس معلوما التاريخ المحدد لتدمير هذا المنزل الذي كان يستقبل القذافي ضيوفه فيه. لكن السلطات امرت في اب/اغسطس 2012 ببدء هدم ابنية المجمع معلنة عن نيتها تحويل حصن باب العزيزية الواقع في جنوب العاصمة والمقام على مساحة نحو ستة كليومترات مربعة، الى متنزه.
وتعطل المشروع بعدما تدفق عشرات اللاجئين الى المجمع واحتلوا ما تبقى من ابنيته القليلة.
ويدخل السكان عبر بوابة صغيرة الى جانب المدخل الرئيسي السابق للمجمع ويركن بعضهم سياراتهم امام المواقع التي يقيمون فيها.. وهناك آخرون ينشرون ملابسهم المبللة على نوافذ هذه المواقع وشرفاتها.
وكتبت على جدران ما تبقى من الابنية اسماء كتائب الثوار التي دخلت باب العزيزية واسماء مقاتلين قتلوا خلال مواجهتهم قوات القذافي، الى جانب شعارات مناهضة له بينها “اين انت يا مؤلف كتاب الافتراء”، في اشارة الى “الكتاب الاخضر”.
وفي العام 1969 عقب الانقلاب الذي حمله الى السلطة، اقام القذافي في منطقة باب العزيزية وبدأ يتوسع في حصنه. وقد قام بهدم منازل مجاورة لمقر اقامته والغى طرقا كانت تمر بالقرب منه.
واحيط المجمع الذي كان يضم معسكرات وخيم استقبال ومقرات سياسية ومنازل للقذافي، بثلاثة اسوار اسمنتية اولها سور رئيسي على الطريق العام طلي بالاخضر وامتد على مسافة نحو 7300 متر ولم تكن تبرز منه سوى ابراج المراقبة. وقد استبدل اليوم بسور حديدي ابيض.
ويقول حسن الذي يعمل سائقا في طرابلس “كانت الناس تخاف حتى ان تنظر الى السور خشية ان يجري اعتقالها وتتجنب كذلك السير على الرصيف الموازي له”.
ولم يطل التدمير او التخريب بيت القذافي في طرابلس فقط، بل ان منازل الرجل الذي حكم ليبيا لاربعة عقود بيد من حديد قبل ان يقتل في الثورة، واجهت المصير نفسه في اماكن اخرى وبينها مقره في سبها جنوبا ومنزله قرب مدينة شحات الاثرية شرقا والذي لا يزال يحافظ على بعض معالمه.
وفي بنغازي على بعد نحو الف كلم شرق طرابلس، اقامت مجموعة من التجار سوقا للحيوانات في مقر القذافي الذي كان يعرف باسم “كتيبة الفضيل بو عمر” ويمتد على حوالي عشرة هكتارات.
وتنتشر في السوق اقفاص الطيور والحمام وتعرض في صفوف يقف خلفها تجارها وامامها الفضوليون والمشترون الذين يتنافسون في الحصول على الطيور والقطط والكلاب باسعار تتخطى احيانا مئات الدولارات.
وكما حدث في مجمع باب العزيزية، استقرت عائلات لاجئة في بعض المقار داخل المعسكر الذي يعود الى فترة الاحتلال الايطالي.
ويقول محمد سليمان (43 عاما) امام مجموعة من الاطفال وسيارة متهالكة “كنا نحلم بحياة افضل عقب سقوط سلطان القذافي، لكن ها نحن نعيش على انقاضه”.
واضاف “هذه رسالة قوية نوجهها الى حكام ليبيا الجدد. لو منح القذافي الليبيين حرية وكرامة ومستوى معيشة لائقا لما سقط عرشه وصرنا نحن هنا”.
واعيد في المجمع افتتاح شارع كان مقفلا منذ الثمانينات ليربط بين شمال المدينة وجنوبها كاطول شارع في بنغازي على امتداد نحو 50 كلم، ويحمل اسم الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر.
اما بيت القذافي الشخصي داخل المجمع، فاحتلته في اوائل العام 2012 جماعة “انصار الشريعة” الموالية لتنظيم القاعدة وجعلت منه مقرا رئيسا لها اذ انه يقع داخل سور محاط بابنية سكنية لا واجهة خلفية او نوافذ لها.
لكن هذا البيت تم هدمه وتسويته بالارض في الحملة الثانية التي اطلقها في 15 تشرين الاول/اكتوبر الماضي الفريق اول ركن خليفة حفتر لاستعادة مدينة بنغازي من ايدي جماعات متشددة، وقد ازيل تماما، وباتت اطرافه مكبات للنفايات التي يتم حرقها يوميا.
ويقول علي المصراتي وهو يمر بالقرب من المقر “هذا المكان لا يليق به الا ان يكون مكبا للنفايات لما حمله خلال فترة قاتمة السواد من ذكريات اليمة”.
القدس العربي