أبكر مواطن تشادي يقيم بالولايات المتحدة.. اختلف صديقنا أبكر مع زوجته التي لم تكن تحمل أوراق إقامة قانونية في الدنيا الجديدة.. مضت الزوجة برفقة عيالها إلى أنجمينا وواصل أبكر حياته في مدينة نيويورك.. حينما وصلت قوات المعارضة التشادية أبواب القصر الرئاسي وانقطع الاتصال بالدولة الأفريقية كان أبكر قلقا.. فكر أكثر من مرة للسفر ليكون بين أسرته.. ذات مساء مليء بالقلق والهواجس تلقى أبكر اتصالا يفيده أن أبناءه وأمهم بمطار جون كنيدي بمدينة نيويورك، بعد أن تم إجلاؤهم من تشاد ضمن الرعايا الأمريكان.. ما زلت اعتقد أن أختنا حليمة التشادية، التي نالت من المطار البطاقة الخضراء التي تكفل لها الإقامة الدائمة في أمريكا، كانت المستفيد الأول من تلك الحرب القصيرة.
الأنباء أفادت أن دبلوماسيا سودانيا اختفى في ظروف غامضة في دولة ليبيا التي تغرق في الفوضى.. ظن الناس أن الدبلوماسي تم اختطافه.. بعد حين بانت الحقيقة أن الرجل شملته (كشة) رسمية وظنت السلطات التي بيدها القلم أن ولدنا مجرد أفريقي بائس يقيم في الدولة المضطربة دون أوراق رسمية.. المهم أن المليشيا التي اعتقلت السوداني أفرجت عنه لاحقا بعد أن تبينت هويته الدبلوماسية.
سفارتنا في صنعاء مضت إلى باطن الأرض.. مصطلح باطن الأرض يستخدمه الزملاء الشيوعيون للإشارة للكوادر المختفية عن أنظار السلطات.. رئاسة وزارة الخارجية أكدت للجمهور أن سفارتنا هنالك تدير عملها من مكان سري.. رغم سرية المكان طلبت الوزارة من رعاياها باليمن التواصل مع سفارتهم السرية.. من ناحية أخرى كان أمين جهاز المغتربين يطمئننا أن رئاسة الجمهورية تتابع باهتمام أحوال السودانيين هنالك.. صحف البارحة بشرتنا أن عمليات الإخلاء ستبدأ خلال ساعات.
معظم الدول العربية التي نشاركها حرب العاصفة نقلت سفاراتها إلى عدن وذلك قبل أن تعلن الحرب.. دولتنا الرسالية لم ترسل الطائرات السودانية لإجلاء السودانيين من اليمن.. بل سارعت بإعلان مشاركتها في الحرب على الحوثيين حتى قبل أن تتبين مصير السودانيين المقيمين في وسط لم يعد بيئة آمنة.
بصراحة.. حكومتنا لا تدرك قيمة الإنسان السوداني.. لا تشعر بالقلق والسهر والحمى إذا تعرض مواطن سوداني للخطر.. تبينت هذه الحقيقة أكثر حينما زارنا بالأمس محامٍ شاب.. هذا المحامي الشاب تعرض للاعتقال الخاطيء عقب إحدى جلسات محاكمة الأستاذ فاروق أبوعيسى وصحبه.. تنهمر الدموع من وجه الشاب كلما تذكر الحدث الذي لم يتجاوز ساعة من الزمن.. حتى نقابة المحامين التزمت الصمت.