نفذت الشرطة البريطانية “اقتحاما” حميداً لأحد مساجد مدينة بريستول ثالث أكبر المدن البريطانية بعد لندن وبرمنجهام.. ويأتي “الاقتحام” في ظل قلق أوروبي من تزايد التطرف الديني بين الجاليات المسلمة..
وأعلنت وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا مي استراتيجية مستقبلية لمحاربة التطرف الديني في بريطانيا. وأكدت أن بلادها ستستخدم الأساليب القانونية كافة لمنع انتشار الفكر المتطرف.
وقالت الوزيرة البريطانية أن محاربة التطرف والإرهاب لا تقتصر على دور الحكومة والأجهزة الأمنية فحسب، بل تتطلب تعاون الأفراد والعائلات داخل المجتمع. وأعتبرت أن سبب نمو هذه الظاهرة إلى استغلال بعض الأشخاص لقيم الانفتاح والحرية التي تتاح لهم في المملكة المتحدة لنشر الفكر المتطرف عبر منابر الجامعات البريطانية والمساجد.
في مسجد شاه جلال بمنطقة إستون بمدينة بريستول ظل مسؤول لجنة أحد مساجد المدينة ينوّه للمصلين على مدى جمعتين متتاليتين عن لقاء مرتقب بين المصلين وممثلين لشرطة مدينة بريستول.. وحرص الرجل على التأكيد أنه أمر عادي لا يدعو للقلق، وأن الشرطة تريد أن تتواصل معهم للتباحث والنقاش حول مكافحة التطرف الديني وحماية النشء خاصة من أفكار المتطرفين.. الجمعة الماضية كان الموعد المضروب حيث حضر صلاة الجمعة ضابطا شرطة؛ الأول برتبة الرائد والآخر برتبة النقيب، وخلعا نعليهما في الخارج وكان في استقبالهما المسؤول عن لجنة المسجد.. وقبل رفع الآذان الثاني واعتلاء الامام المنبر قدم مسؤول لجنة المسجد الضيفان بكلمة ترحيبية، قائلا: “معنا اليوم ضيوف أعزاء، بغرض التفاكر معهم حول كيفية خلق تفاهم متبادل فيما يتعلق بأمور الدين”.
وتحدث الضابط برتبة الرائد مبتدرا حديثه بالقاء تحية الإسلام قائلا: “السلام عليكم، جئنا اليوم إليكم للتفاكر ومحاولة إزالة المفاهيم الدينية المغلوطة” ومضى يقول: “نحن نحترمكم كثيرا ونقدر القيم العظيمة التي يحملها الإسلام”. بعد ذلك طلب منهما مسؤول لجنة المسجد التفضل بالجلوس في مقعدين أعدا لهما في الخلف لمتابعة شعائر صلاة الجمعة على أن يفتح النقاش الحر بين الشرطة والمصلين عقب انتهاء الصلاة. في هذا الأثناء وكالعادة مر رجل على المصلين يحثهم على التبرع لصالح المسجد وكان النقيب أحد الذين تبرعوا.
الإسلام الصحيح
عقب انتهاء الصلاة دُعي الضيفان مرة أخرى لمقدمة المسجد لمواصلة النقاش وتبادل الأفكار حول القضية موضوع النقاش.. وقال مسؤول لجنة المسجد أن صلاة الجمعة فرصة أسبوعية لتوجيه المسلمين نحو الإسلام الصحيح، مطالبا الحكومة البريطانبة بدعم الجهود الإعلامية الهادفة إلى توضيح صورة الإسلام الصحيح الذي لا يمثله المتطرفون. مضيفا أن المسلمين أناس مسالمون يحترمون القانون.
وقال أن المسجد كمؤسسة له أنشطة توعوية واجتماعية كثيرة تحتاج لدعم مادي ثابت إذ أن المسجد يعتمد على تبرعات المصلين. ثم تحدث الضابط برتبة النقيب مبينا أن التطرف ظاهرة لا تقتصر على دين أو مجتمع بعينه وإنما هي موجودة في كل الأديان والمجتمعات.
وأكد أن شرطة بريستول محظوظة لأن في المدينة جالية إسلامية مثالية، ومضى يقول أن هذا يمكننا من أن نظل على تواصل دائم لحل المشاكل الي قد تعترض سبيل الجالية المسلمة، مؤكدا أن الصغار يحتاجون لعناية ومتابعة خاصة وتعاون بيننا جميعا لحماية الأجيال القادمة من خطر التطرف.
يذكر أن في بريستول جالية مسلمة كبيرة وهناك العديد من المساجد. كما يوجد جمعية إسلامية في كل من جامعة بريستول وجامعة غرب إنجلترا. وتنظم هذه الجمعيات برامج إسلامية وتعد أماكن الصلوات الخمس وصلاة الجمعة.
لقد كانت لحادثة صحيفة “شارلي إيبدو” في فرنسا في يناير الماضي وتداعياتها أثر بالغ في حالة القلق التي اجتاحت عموم أوروبا، وغضب المسلمون غضبا شديدا لنشر الصحيفة رسوما مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، بيد أن بعضا من شباب المسلمين تحول غضبهم إلى نار مزقت أجساد (12) صحفياً كانوا يحضرون اجتماع التحرير الخاص بالصحيفة في ذلك اليوم.. لكن ردة فعل أولئك الشباب الدموية في المقابل لم توقف استفزازات الصحيفة ففي عددها التالي للحادثة نشرت رسما كاريكاتوريا للرسول صلى الله عليه وسلم بل أن توزيعها إرتفع من (60) ألف نسخة في أحسن الأحوال إلى مليوني نسخة، وقرر ناشرها إثر ذلك زيادة نسخ العدد إلى خمسة ملايين نسخة لمواجهة الإقبال الاستثنائي عليها. وقال رينال لوزييه الذي رسم الكاريكاتور متحدياً: “ليس هذا ما كان الإرهابيون يريدوننا أن نرسمه”.
الارقام تتحدث
اليوم تقول الاحصاءات في بريطانيا أن العام 2030 قد تصل فيه نسبة المسلمين 50% من سكان البلاد وأن أكثر اسماء المواليد تكرارا هو اسم “محمد”.. مما يعني أن الحوار بالحكمة والقدوة الحسنة سلاح يمضي بقوة مبشرا بالاسلام في تلكم الديار والعكس صحيح تماما.
إن النظرة الغربية إلى الإسلام تحتاج لتعديل ونبذ الأفكار المسبقة والنظريات المختلة، وإلإ فإن أي تفكير في حوار فكري للقضاء على التطرف بين المسلمين، سيكون حرثاً في البحر.. فالمشكلة المهمة بالنسبة للغرب وفقاً لأفكار هنتنجتون المختلة، ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام نفسه.. يقول برنارد لويس وهو أستاذ جامعي بريطاني تخصص في دراسات الشرق الأوسط بجامعة برنستون الأمريكية. وقد تخصص في تاريخ الإسلام والتفاعل بين الإسلام والغرب: “إن أفكارا ومقولات مثل ما قال به هنتنجتون وغيره، بأن حدود الإسلام دموية وكذا احشائه، وهي العبارة التي وردت في مقالة له عام 1993 وقد أثارت ردود فعل كبيرة؛ هي التي تعيق التواصل الفكري مع الحضارة الإسلامية، فلا بد من طرد هذه الأفكار بعيدا واستبعادها في حال المعالجات الفكرية.
الجالية المسلمة في بريطانيا ترى أن التوعية والتعليم والتثقيف أنجع الطرق لمحاربة التطرف الديني. بيد أنها ترى أن المتطرفين ينشطون أساسا في الجامعات وليس في المساجد. لكن على الصعيد الحكومي أشاغلت خلافات داخل التحالف الحاكم في حكومة ديفيد كاميرون أجلت نشر استراتيجية مكافحة الإرهاب، وقالت صحيفة الغارديان البريطانية إن وزيرة الداخلية أجبرت على التخلي عن قواعد تشريعية جديدة كانت ستمكن الوزراء من إصدار أوامر للجامعات والكليات بـ”حظر المتحدثين المتطرفين الذين يستدعون من خارجها”.
وكانت إرشادات وزارة الداخلية الأصلية المقترحة تشترط على الجامعات القيام بإجراء تحريات صارمة بحق جميع المتحدثين الزائرين الذين يدعون لمخاطبة الطلاب داخل الجامعة. وتطالب هذه الإرشادات الاتحادات الطلابية بالتقدم إلى سلطات الجامعات بطلب مسبق قبل موعد النشاط المنوي ترتيبه بما لا يقل عن أربعة عشر يومًا، حتى تتمكن من إجراء التحريات اللازمة وإلغاء النشاط عند الضرورة، إلا أن ما رشح من معلومات يفيد بأنه تم الآن التخلي عن كل هذه الإجراءات.
وقالت الصحيفة إن عددا من أعضاء مجلس اللوردات عن حزب المحافظين، بما في ذلك اللورد لامونت واللورد ديبن، صرحوا عن معارضتهم القوية لما وصفوه بالهجوم الشامل على حرية التعبير.
وتعتبر بريطانيا من أفضل الدول الغربية تسامحا ويمارس المسلمون فيها شعائر دينهم بحرية قل أن يوجد بها نظير، وليس هناك منع للحجاب وليس هذا فحسب حتى المنقبات بمارسن حياتهن بدون مضايقة أو منع.