الكاتب والقاص والروائي أسامة رقيعة يشدك أسلوبه المميز في الكتابة وأنت تطلع على واحدة من رواياته المختلفة تخرج في كلية القانون جامعة الخرطوم، ويعمل الآن بدولة الإمارات العربية مستشارا قانونيا لإحدى الشركات، صدرت له مجموعة من الروايات والقصص منها (ذكريات مدام س) و(زهور البلاستيك) و(أحداث منتصف النهار) (اللحن المفقود) (الوتر الضائع)، وله مؤلفات في القانون منها (المدخل لدراسة قانون الشركات)، نشر مقالات عديدة لجريدة (الخليج) الإماراتية ومجلة (الفجر) المصرية.. (اليوم التالي) التقته في لقاء قصير وطرحت عليه بعض الأسئلة:
*بطاقة تعريفية عنك ؟
ميلادي كان في بورتسودان، رغم أني أولد أكثر من مرة حينما أزور مسقط رأس أجدادي شندي (حوش الخدر) أسمع أصوات المحنة على ضوء القمر، مدين بجمال طفولتي لأمي، والبحر، والقمر، لما تخطيت الطفولة وبدأت أحلام الشباب كنت أتمنى عالما أو مكتشفا يقضي يومه كله في المعمل أو المختبر يكتشف شئيا لاخوته البشر، لكني درست القانون بجامعة الخرطوم، وللحق فقد أحببته منذ النظرة الأولى لأنه أدخلني مع الأدب مختبر الكلمة لأكتشف كل يوم ملمحا جديدا للحق والجمال والإنصاف، أحب البساطة، وأعشق الوضوح، وتأسرني المواقف الإنسانية.
*كيف كانت بدايات القصة والرواية لديك؟
ربما كانت في ذات اللحظة التي كنت ارتشف فيها الأمنيات من أجل أخواني البشر، أو معتكفا في مختبر الكلمة أحاول أن أكشف ملامح الجمال في حياتنا، وأحاول أن أجمل خيباتنا أيضا.
*تأثير الغربة على كتابتك الأدبية؟
الغربة صنعت مسافة كبيرة بين واقعنا وما نريد ونشتاق، هذه المسافة جعلتني أكثر قدرة على النظر والتأمل وتلمس مكامن الحنين، وبالتالي فإن الغربة جعلت الحروف تأتيني في أكثر اللحظات اشتياقنا، أو تلك التي أقل جفاءً، تأتيني ممرغة في الحنين تكابد الأشواق ولا تعاني الاغتراب.
*علاقة القانون بكتابة الرواية؟
الغايات متشابهة وإن اختلفت الملامح، وقلما تتسرب عندي وقائع القانون ناحية مضمار الأدب وإن منحتني الخيال وعضدت لدي المنطق.
*الروائي السوداني في الخارج؟
يناضل وحيدا في ثبات!
*هل يمكن أن نقول إن هناك تيارا لأدب الغربة من السودانيين خارج السودان؟
الاحتراب السياسي والسعي الخانق خلف لقمة العيش، قضيا على اليابس عندنا داخل الوطن ويسعيان في جشع نحو الأخضر، لم يعد الشباب يجد مرتعا كافيا لأحلامه العادية، وإذا ما سافر غرد خارج الوطن ثم أبدع لذلك من الطبيعي نشوء كمثل هذه التيارات في ظل هذا الارتحال الغالب والدائم للطاقات الشابة المبدعة، ولكن على الرغم من كل الحنين والإحساس بالوطن الذي قد يكتنف هذه التيارات إلا أن الحقيقة تظل قائمة بأن ليس ثمة نمو صحيح وصحي إلا في كنف السرب وتحت رعايته، وأن النضال وإن ظل ثابتا ستبقى الأحلام مجروحة والحنين ممرغ في الفراغ.
*الأدب الرقمي هل له أي تأثير على الأدب الورقي؟
في تقديري أنه أضاف بعدا خامسا، كما أنه لون حب الورق بالعمق، فمتى ما عانقت نصا متفردا سعيت للحصول عليه في الورق، فمازالت لرائحة الورق المطبوع نهكتها مع طعم القهوة، ولكن يظل الإيقاع المتسارع المصاحب للثورة الرقمية موثرا في نهج الكتابة الورقية وطريقة التلقي أيضا.
*رأيك في الجوائز الأدبية داخل وخارج الوطن؟
لا أدري، ولكن لا تستهويني الجوائز، ليس في الأدب وحده وإنما في كافة ضروب العطاء، إلا إذا كانت مبادرات محبة على سبيل التشجيع أو التكريم أو العرفان بالجميل، ودون سعي أو حرص عليها.
ورغما عن ذلك، فإن الجوائز الأدبية رمز جميل في طريق الإبداع ويحتاجه المبدع ليس للانتقال به إلى منصة أكثر إضاءة بل لمنحه المزيد من الثقة في العطاء والكتابة، ولكن ما أشهده أحيانا من جدال حول نتائج بعض الجوائز، وكلما أعلنت يجعلني أحتار وأتساءل: ماذا نريد من وراء الجوائز الأدبية ونحن قد استوردناها من غيرنا من الأمم؟
*رواية اللحن المفقود بإيجاز وفي سطور؟
اسمحي لي أن أتركك والقراء مع الزميلة الأردنية صابرين فرعون، وهي تضع إضاءتها عن اللحن المفقود.. يضعنا في أجواء المجتمع السوداني ويعرفنا على بعض عادته وتقاليده من بساطة وتدين وصوت الضمير.. يدخل بعض المفردات التي تستخدم في الحياة اليومية ويسلط الضوء على الجانب الإنساني الذي يأتي ببساطة وعفوية وطنه..
في روايته (اللحن المفقود)، التي تأخذ شكل الرواية البوليسية من خلال الحدث الرئيسي، وهو البحث في التباسات قضية قتل ويتخلل بعض مفاصل الحدث الرئيسي أحداث ثانوية كالحب والإعجاب من طرف واحد وتكون نهايته خيبة.. يشد القارئ بتفاصيله بخيط التشويق حتى آخر الرواية.. كما يذكر بعض الحكايات الشعبية التي تتناقلها الألسن، وإن دل ذلك فيدل على أن الحكاية أدب تربوي تهدف لخلق وتعزيز رسالة سامية في أفراد المجتمع بالإضافة للإمتاع والتسلية خاضعة للزيادة والنقصان وبعض التوابل في القص والسرد خاصة أنها موروث شفوي التناقل.. هذه الحكايات أيضاً لها مدلولها في السرد الروائي، فهي تختزل الوصف وتلعب دوراً مهماً في التفاعل بين النص والقارئ وتخضع لضوابط سردية قائمة لدى الكاتب نفسه.
لا يختم الرواية وإنما يترك مجالاً لجزء ثانٍ في كتاب آخر.. مخلفاً تساؤلات للقارئ يبحث بها في دورة الحياة خارج إطار الرواية: لماذا نسعى للحقيقة؟ هل نبحث عن نقطة معينة نصل ذروة ابتهاجنا في إظهارها ووضوحها أم لندخل دوامة أخرى من التساؤلات؟
يختم روايته بـ :
“لم أعد أريد براءة عبد القيوم..
أريد واقعاً، أريد حاضراً، يمثل أمامي ويشبعني، واقعاً مليئاً بالمحبة والصدق والإيمان، واقعاً يترنم على لحن الأحلام ثم يمنحنا ما نشدّ به عضد الخير بيننا، هل أحتاج إلى فاطمة أم إلى الشعور الذي أحسسته معها؟ لا أنا لا أحتاجها بل أحتاج للشعور الذي تصورته قد يكون معها، أحتاج للحب، أحتاج لحشمتها، وإلى ملمح الوضاءة الذي يعلوها عند الوضوء، أحتاج أنْ أسير ويدي في يدها فأسقيها كؤوساً من ينابيع الحنان المترعة في داخلي”.
اليوم التالي