ما زلت أذكرهم، أولئك الذين تعوّدنا بعد ذلك أن نتحدَّث عنهم بالجملة. وكأنَّ الجمع في هذه الحالة بالذات، ليس اختصارًا للذاكرة، بل لحقِّهم علينا.
لم يكونوا شهداء.. كان كلّ واحد منهم شهيدًا على حِدة. كان هناك من استشهد في أوَّل معركة، وكأنَّه جاء خصّيصًا للشهادة.
وهناك من سقط قبل زيارته المسروقة إلى أهله بيوم واحد، بعدما قضى عدّة أسابيع في دراسة تفاصيلها، والإعداد لها.
وهناك من تزوّج وعاد.. ليموت متزوِّجًا.
وهناك من كان يحلم أن يعود يومًا لكي يتزوّج.. ولم يَعُد.
في الحروب، ليس الذين يموتون هم التعساء دائمًا. إنَّ الأتعس هم أولئك الذين يتركونهم خلفهم ثكالى، يتامى، ومعطوبي أحلام.
اكتشفت هذه الحقيقة باكرًا، شهيدًا بعد آخر، وقصّة بعد أخرى..
من “ذاكرة الجسد” 1993
ملحوظة :
“عنوان المقال من تأليف ادارة الموقع”