اعتبر وزير الري السابق عمَّنا المهندس كمال علي محمد في تعليقه على وثيقة مبادئ سد النهضة تحت عنوان «الاتفاق حول إعلان المبادئ لسد النهضة» الذي نشرته «الإنتباهة» الخميس الماضي هنا في مساحة الرأي والتحليل، اعتبر أن معظم هذه المبادئ هي نفسها التي كانت تُردد منذ ستينيات القرن الماضي أي قبل نصف قرن من الزمان. وأشار إليها حيث قال إنها «بناء الثقة والتعاون وحسن النية والاستخدام المنصف والمعقول».
«الاستخدام المعقول» عبارة مهمة سنعود إليها هنا.
وعمَّنا المهندس كمال علي يتفق مع كاتب هذه السطور في ما أورده من مبادئ هي معظم مبادئ الوثيقة العشرة، وهي بالتحديد سبعة مبادئ وصفناها بأنها «حشو» لا معنى ولا ضرورة لها في الوثيقة التي خصصت لطمأنة مصر من الناحية الفنية لقيام السد، وإن كانت مصر يهمها أمر آخر تريد أن تخدمه بهذه الناحية الفنية، وهو عدم التأثير على ثلاثين مليارات متر مكعب تأتي إليها كزيادة على حصتها المحددة في آخر اتفاقية وقَّعت عليها بخمسة وخمسين مليار متر مكعب لتكون كل الكمية خمسة وثمانين مليار متر مكعب متجهة نحو بحيرة السد العالي نحو البحر الأبيض المتوسط أيام الفيضان. وبحيرة السد العالي تسع «162» مليار متر مكعب وكان قد شيد في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، وحينها لم تتوفر التقنية التي تحصن السد من الانهيار كما هي متوفرة الآن لسد النهضة الذي تسع بحيرته أربعة وسبعين مليار متر مكعب فقط، ورغم ذلك يقول عمّنا المهندس كمال علي بأن الوثيقة من المفترض أن تتضمن تخفيض سعة السد من أربعة وسبعين إلى إحدى عشر. وما دفعه إلى هذه الرؤية هو إن هذا مضمن في الإستراتيجية والخطة الإثيوبية التي وضعتها هيئة الاستصلاح الأمريكية لصالح إثيوبيا منذ أوائل الستينيات من القرن الماضي.
لكن دون أن نتحدث عن الفرق بين الاحتياجات والمتطلبات لدى الشعوب قبل أكثر من نصف قرن والآن باعتبار أنها مفهومة. دعونا نطرح بين يدي عمَّنا الوزير السابق كمال علي سؤالاً معيناً هو: هل يقصد المهندس كمال علي إن استخدام بحيرة تسع أربعة وسبعين مليار متر مكعب غير معقول أم غير منصف؟!
وهو في بداية مقاله الذي نحن بصدد تناوله كان قد تحدث عن الاستخدام المنصف والمعقول لمياه النيل، وهذا يمكن أن يعني إنه يرى أن «الأربعة وسبعين مليار» كمية غير معقولة الاستخدام لأنه تحدّث عن ضرورة تضمين تخفيضها إلى «إحدى عشر» في الوثيقة.
لكن الوثيقة التي وقعت عليها الحكومة المصرية بعد أن قرأتها وقبلت بمعالم تتضمن ما حددته هيئة الاستصلاح الأمريكية لصالح إثيوبيا. إذن.. رأى المصريون إن «التخفيض» بحكم دراسة الستينيات الأمريكية ليس مهماً بالنسبة لهم. إذن.. حينما قلنا إن مصر تريد الآن من الوثيقة أن تكون حافظة لماء وجهها أمام الشعب، وهي تتراجع عن الموقف العصبي المقصود به إحراج مرسي وتعريته، فهذا يؤكده توقيعها على الوثيقة دون الذي أراده المهندس كمال علي.
لكن على صعيد السودان، ألا يتفق المهندس كمال علي مع خبراء الري السودانيين أمثال المهندسين الريح عبد السلاح الحاج وأحمد الطيب وعثمان التوم وغيرهم في أن سد النهضة يستفيد منه السودان أكثر من إثيوبيا؟! وإنه بالنسبة للسودان مثل السد العالي بالنسبة لمصر؟!. وإنه فنياً رُوعيت فيه كل التقنيات الحديثة لحمايته من الطوارئ، وأن استخدام إثيوبيا للمياه من خلال السد ليس استهلاكياً كما سيكون استهلاك السودان من ناحية استقرار متوسط منسوب المياه؟!. الآن تجري على حوض النهر أقل من عشرين مليون متر مكعب، وربما عشرة فقط. وفي الخريف تجري كميات مهددة للاستقرار والمشاريع لكن بعد تشييد السد فإن المتوسط مائة وخمسة وثلاثين مليون بأي منطق يختلف المهندس كمال علي مع زملائه السودانيين؟!.